استحالة صدور الآثار المتناقضة المختلفة والأفعال المتباينة من علّة واحدة بسيطة ، فانّ للعلّة الواحدة أفعالاً ونواميس معيّنة لا تختلف ولا تتخلف عن إطارها المعيّن ، كيف حيث إنّ في ذلك القضاء الحاسم على مبدأ السنخية والمناسبة بين العلّة والمعلول ، ومن الطبيعي أنّ القضاء على هذا المبدأ يستلزم انهيار جميع العلوم والاسس القائمة على ضوئه ، فلا يمكن عندئذ تفسير أيّة ظاهرة كونية ووضع قانون عام لها.
ودعوى الفرق بين الذات الأزلية والعلّة الطبيعية هو أنّ الذات الأزلية وإن كانت علّةً تامّةً للأشياء ، إلاّ أنّها عالمة بها ، دون العلّة الطبيعية فانّها فاقدة للشعور والعلم ، وإن كانت صحيحةً إلاّ أنّ علم العلّة بالمعلول إن كان مانعاً عن تأثيرها فيه على شكل الحتم والوجوب بقانون التناسب فهذا خلف ، حيث إنّ في ذلك القضاء الحاسم على علّية الذات الأزلية وأنّ تأثيرها في الأشياء ليس كتأثير العلّة التامّة في معلولها ، بل كتأثير الفاعل المختار في فعله.
وإن لم يكن مانعاً عنه كما هو الصحيح ، حيث إنّ العلم لا يؤثر في واقع العلّية وإطار تأثيرها ـ كما درسنا ذلك سابقاً (١) ـ فلا فرق بينهما عندئذ أصلاً ، فإذن ما هو منشأ هذه الاختلافات والتناقضات بين الأشياء ، وما هو المبرّر لها؟
وبطبيعة الحال لايمكن تفسيرها تفسيراً يطابق الواقع الموضوعي إلاّعلى ضوء ما درسناه سابقاً (٢) بشكل موسّع من أنّ صدور الأشياء من الله سبحانه بمشيئته وإعمال سلطنته وقدرته ، وقد وضعنا هناك الحجر الأساسي للفرق بين زاوية الأفعال الاختيارية ، وزاوية المعاليل الطبيعية ، وعلى أساس هذا الفرق تحلّ المشكلة.
__________________
(١) فى ص ٤١٨.
(٢) فى ص ٣٨٢ ٣٨٤.