به ذاتاً وتعاصره زماناً ، وهذا غير معقول.
وأمّا الثاني : فلفرض أنّ العلم لا يقتضي ضرورة وجود الفعل في الخارج ، حيث إنّه لا علاقة بينهما ما عدا كونه كاشفاً عنه ، ومن الطبيعي أنّ وقوع المنكشف في الخارج ليس تابعاً للكاشف بل هو تابع لوجود سببه وعلّته ، سواء أكان هناك انكشاف أم لم يكن ، وعليه فلا موجب لضرورة وقوع الفعل إلاّ دعوى الانقلاب ، ولكن قد عرفت خطأها وعدم واقع موضوعي لها.
ونزيد على هذا : أنّ علمه سبحانه بوقوع أفعال العباد لو كان موجباً لاضطرارهم إليها وخروجها عن اختيارهم ، لكان علمه سبحانه بأفعاله أيضاً موجباً لذلك. فالنتيجة : أنّ هذا التوهم خاطئ جداً.
الوجه الرابع : ما عن الفلاسفة (١) من أنّ الذات الأزلية علّة تامّة للأشياء ، وتصدر منها على ضوء مبدأ السنخية والمناسبة ، حيث إنّ الحقيقة الإلهية بوحدتها وأحديّتها جامعة لجميع حقائق تلك الأشياء وطبقاتها الطولية والعرضية ، ومنها أفعال العباد فانّها داخلة في تلك السلسلة التي لا تملك الاختيار ولا الحرّية.
والجواب عنه أنّ هذه النظريّة خاطئة من وجوه :
الأوّل : ما تقدّم (٢) بشكل موسّع من أنّ هذه النظريّة تستلزم نفي القدرة والسلطنة عن الذات الأزلية ، أعاذنا الله من ذلك.
الثاني : أنّه لا يمكن تفسير اختلاف الكائنات بشتّى أنواعها وأشكالها ذاتاً وسنخاً على ضوء هذه النظريّة ، وذلك لأنّ العلّة التامّة إذا كانت واحدة ذاتاً ووجوداً وفاردة سنخاً ، فلا يعقل أن تختلف آثارها وتتباين أفعالها ، ضرورة
__________________
(١) الأسفار ٦ : ١١٠ ـ ١١٦.
(٢) في ص ٣٨٢.