والجواب عنه : أنّ علمه ( سبحانه وتعالى ) بوقوع تلك الأفعال منهم خارجاً في زمان خاص ومكان معيّن لا يكون منشأ لاضطرارهم إلى إيقاعها في الخارج في هذا الزمان وذاك المكان ، والسبب في ذلك : هو أنّ علمه تعالى قد تعلق بوقوعها كذلك منهم بالاختيار وإعمال القدرة ، ومن الطبيعي أنّ هذا العلم لا يستلزم وقوعها بغير اختيار ، وإلاّ لزم التخلف والانقلاب. والسرّ فيه أنّ حقيقة العلم هو انكشاف الواقع على ما هو
عليه لدى العالم من دون أن يوجب التغيير فيه أصلاً ، ونظير ذلك ما إذا علم الانسان بأ نّه يفعل الفعل الفلاني في الوقت الفلاني من جهة إخبار المعصوم عليهالسلام أو نحوه ، فكما أنّه لا يوجب اضطراره إلى إيجاده في ذلك الوقت ، فكذلك علمه سبحانه.
وبكلمة اخرى : أنّ الاضطرار الناشئ من قبل العلم الأزلي يمكن تفسيره بأحد تفسيرين :
الأوّل : تفسيره على ضوء مبدأ العلّية ، بدعوى أنّ العلم الأزلي علّة تامّة للأشياء ، منها أفعال العباد.
الثاني : تفسيره على ضوء مبدأ الانقلاب ، أي انقلاب علمه تعالى جهلاً من دون وجود علاقة العلّية والمناسبة بينهما.
ولكن كلا التفسيرين خاطئ جداً.
أمّا الأوّل : فلا يعقل كون العلم من حيث هو علّة تامّة لوجود معلومه ، بداهة أنّ واقع العلم وحقيقته هو انكشاف الأشياء على ما هي عليه لدى العالم ، ومن الطبيعي أنّ الانكشاف لا يعقل أن يكون مؤثراً في المنكشف على ضوء مبدأ السنخية والمناسبة ، ضرورة انتفاء هذا المبدأ بينهما. وأضف إلى ذلك : أنّ العلم الأزلي لو كان علّةً تامّةً لأفعال العباد فبطبيعة الحال ترتبط تلك الأفعال