زيد المتصف بتلك المبادئ إلى تلك العناوين بالعرض والمجاز ، وبمقتضى القاعدة السائرة في الكائنات بأجمعها وهي أنّ كل ما بالعرض لا بدّ وأنّ ينتهي إلى ما بالذات ، ينتهي هذا الحمل ـ أي العناوين على معروضاتها ـ إلى حمل ثان ، ويدل الكلام عليه بالدلالة الإلتزامية لا محالة ، فذلك الحمل يكون من قبيل حمل الطبيعي على أفراده ، فان في قولنا : زيد ضاحك مثلاً ، بما أنّ الضاحك عنوان عرضي انتزاعي ، فلا محالة ينتهي الأمر إلى حمل الضحك على الصفة القائمة بزيد ، وهو من حمل الكلّي على فرده ، فبالنتيجة يرجع هذا القسم إلى القسم الأوّل ، وإن كان مغايراً له بحسب الصورة.
وأمّا القسم الثالث : فهو في حمل بعض العناوين العرضية على بعضها الآخر كقولهم : الكاتب متحرك الأصابع ، أو المتعجب ضاحك ونحو ذلك. وقد اتّضح لك أنّه ليس للعناوين العرضية وجود في عالم الخارج بالذات ، بل يضاف إليها وجود ما يتصف بها إضافة بالعرض ، وبقانون أنّ ما بالعرض ينتهي إلى ما بالذات ، فلا محالة ينتهي الأمر إلى حملين آخرين : أحدهما : حمل صفة الكتابة أو التعجّب على شيء. وثانيهما : حمل الحركة أو الضحك على شيء آخر ، فيدخل هذا القسم أيضاً في القسم الأوّل ، والاختلاف بينهما في الصورة لا في الحقيقة.
فتلخص من ذلك : أنّ مرجع جميع هذه الأقسام إلى قسم واحد وهو القسم الأوّل ، وعلى ضوء أنّ الملاك في صحّة الحمل الشائع هو الاتحاد في الوجود الخارجي ، ظهر أنّ صحّته لا تكشف عن الحقيقة ، ضرورة أنّها لا تكون أمارة إلاّ على اتحاد المحمول مع الموضوع خارجاً ، وأمّا أنّ استعمال اللفظ في المحمول على نحو الحقيقة فهي لا تدل عليه ، إذ ليس هنا إلاّمجرد التعبير عنه بذلك اللفظ ، وهو لا يزيد على الاستعمال ، وهو أعم من الحقيقة.
نعم ، إذا فرض تجرد اللفظ عن القرينة وتبادر منه المعنى ، كان ذلك آية