علماً آخر كقضايا علم الفقه ، ليس إلاّ اشتراك هذه العدّة في غرض خاص ، واشتراك تلك العدّة في غرض خاص آخر ، فلو لم يكن ذلك ملاك تمايز هذه العلوم بعضها عن بعض في مرحلة التدوين ، بل كان هو الموضوع ، لكان اللاّزم على المدوّن أن يدوّن كل باب بل كل مسألة علماً مستقلاً ، لوجود الملاك كما ذكره صاحب الكفاية قدسسره.
وأمّا إذا لم يكن للعلم غرض خارجي يترتب عليه سوى العرفان والاحاطة به ، كعلم الفلسفة الاولى ، فامتيازه عن غيره إمّا بالذات أو بالموضوع أو بالمحمول ، كما إذا فرض أنّ غرضاً يدعو إلى تدوين علم يجعل الموضوع فيه الكرة الأرضية مثلاً ، ويبحث فيه عن أحوالها من حيث الكمية والكيفية والوضع والأين ، إلى نحو ذلك ، وخواصها الطبيعية ومزاياها على أنحائها المختلفة.
أو إذا فرض أنّ غرضاً يدعو إلى تدوين علم يجعل موضوعه الإنسان ويبحث فيه عن حالاته الطارئة عليه ، وعن صفاته من الظاهرية والباطنية ، وعن أعضائه وجوارحه وخواصها ، فامتياز العلم عن غيره في مثل ذلك ، إمّا بالذات أو بالموضوع ، ولا ثالث لهما ، لعدم غرض خارجي له ما عدا العرفان والإحاطة ، ليكون التمييز بذلك الغرض الخارجي.
كما أنّه قد يمكن الامتياز بالمحمول فيما إذا فرض أنّ غرض المدوّن يتعلق بمعرفة ما تعرضه الحركة مثلاً ، فله أن يدوّن علماً يبحث فيه عمّا تثبت الحركة له ، سواء كان ما له الحركة من مقولة الجوهر أم من غيرها من المقولات ، فمثل هذا العلم لا امتياز له إلاّبالمحمول.
وبما حققناه تبيّن لك وجه عدم صحّة إطلاق كل من القولين ، وأنّ تميّز أيّ علم عن آخر كما لا ينحصر بالموضوع ، كذلك لا ينحصر بالغرض ، بل كما يمكن أن يكون بهما ، يمكن أن يكون بشيء ثالث لا هذا ولا ذاك.