إعمال القدرة فيه استمرّ وجوده وإلاّ استحال استمراره.
وعلى الجملة : فلا فرق بين حدوث الفعل الاختياري وبقائه في الحاجة إلى السبب والعلّة ـ وهو إعمال القدرة والسلطنة ـ فان سرّ الحاجة وهو إمكانه الوجودي وفقره الذاتي كامن في صميم ذاته وواقع وجوده ، من دون فرق بين حدوثه وبقائه.
مع أنّ البقاء هو الحدوث ، غاية الأمر أنّه حدوث ثانٍ ووجود آخر في قبال الوجود الأوّل ، والحدوث هو الوجود الأوّل غير مسبوق بمثله ، وعليه فبطبيعة الحال إذا تحقق فعل في الخارج من الفاعل المختار فهو كما يحتاج إلى إعمال القدرة فيه والاختيار ، كذلك يحتاج إليه في الآن الثاني والثالث وهكذا ، فلا يمكن أن نتصور استغناءه في بقائه عن الفاعل بالاختيار.
وبكلمة اخرى : أنّ كل فعل اختياري ينحل إلى أفعال متعددة بتعدد الآنات والأزمان ، فيكون في كل آنٍ فعل صادر بالاختيار وإعمال القدرة ، فلو انتفى الاختيار في زمان يستحيل بقاء الفعل فيه. ومن هنا لا فرق بين الدفع والرفع عقلاً إلاّبالاعتبار ، وهو أنّ الدفع مانع عن الوجود الأوّل ، والرفع مانع عن الوجود الثاني ، فكلاهما في الحقيقة دفع.
فالنتيجة : أنّ احتياج الأفعال الاختيارية في كل آنٍ إلى الارادة والاختيار من الواضحات الأوّلية ، فلا يحتاج إلى زيادة مؤونة بيان وإقامة برهان.
وأمّا في الموجودات التكوينية ، فالأمر أيضاً كذلك ، إذ لا شبهة في حاجة الأشياء إلى علل وأسباب ، فيستحيل أن توجد بدونها ، وسرّ حاجة تلك الأشياء بصورة عامّة إلى العلّة وخضوعها لها بصورة موضوعية ، هو أنّ الحاجة كامنة في ذوات تلك الأشياء ، لا في أمر خارج عن إطار ذواتها ، فان كل ممكن في ذاته مفتقر إلى الغير ومتعلق به ، سواء أكان موجوداً في الخارج أم لم يكن ،