تلك المصلحة مع مراعاته لجانب الطريقية ـ أيضا ـ بمعنى أنّه لم يرفع اليد عن الواقع ، بل هو باق على ما كان ، فالسالك بها إن أصاب الواقع فله مصلحتان وأجران ـ مصلحة الواقع ومصلحة السلوك على مقتضاها ـ وإن لم يصب فله مصلحة واحدة لا محالة وأجر واحد ، فلا يلزم على تقدير عدم المصادفة خلوّ يد المكلّف عن المصلحة رأسا حتّى يلزم القبح في امره بالعمل بما ذكر ، ومصلحة السلوك حاصلة للمكلّف مطلقا إذا عمل على طبقها ، لكنّها على تقدير عدم الإصابة ليست متداركة لمصلحة الواقع ، بل مصلحة الواقع فائتة عن المكلّف ـ حينئذ ـ ولم يحصل منها شيء أصلا ، فيمكن التعبّد بالفعل في خارج الوقت مع انكشاف الخلاف لتدارك تلك المصلحة الفائتة حقيقة ، فيكون الإتيان بالفعل في خارج الوقت قضاء مصطلحا حقيقة.
وهذا التوجيه أجود من سابقه ، وعليه جماعة من الأعلام ـ أيضا ـ حيث قالوا : إنّ المصيب له أجران والمخطئ له أجر واحد.
وكيف كان ، فمع اعتبار تلك الطرق والأمارات على وجه الطريقية والعمل بها على هذا الوجه ـ كما هو الظاهر من أدلّة اعتبارها ، وهو الحقّ الّذي عليه أهله ـ لا يعقل كون العمل بها مع مخالفتها للواقع مجزيا عن الواقع بوجه ، بل يكون العمل بها ـ حينئذ ـ كالعمل بالطرق العقلية.
وإنّما الفرق بينهما : أنّ العامل بالطرق العقلية مع عدم المصادفة لم يحصل له شيء أصلا ، بخلاف العامل بها ، فإنّه يحصل له مصلحة السلوك على طبقها لا محالة ، وأمّا مصلحة الواقع فلا ، بل يكون العمل بها بالنظر إلى الواقع كعدمه أصلا ، لما مرّ غير مرّة من أنّ الطريق (١) من حيث كونه طريقا لا يعقل كونه مؤثّرا في ذيه بوجه ، بل إذا عمل به فإن أوصل إليه فهو ، وإلاّ فيكون وجوده
__________________
(١) في الأصل : الطرق ..