نيّة التقرّب ، فالمعنى لا عمل من الأعمال الواجبة إلاّ بنيّة القربة ، ولمّا لم يمكن حمل كلمة ( لا ) على حقيقتها ، وهي نفي الذات ، فلا بدّ من حملها على نفي جميع الآثار المساوق لنفي الصّحة لكونه أقرب إلى الحقيقة بعد تعذّرها ، فيكون المقصود أنه لا يصحّ شيء من الواجبات إلاّ بنيّة القربة ، فيدلّ على اعتبارها في كلّ واجب إلاّ ما أخرجه الدليل ، وهو المطلوب.
هذا غاية ما يمكن أن يقال في وجه الاستدلال به.
لكن يتّجه عليه : أنّ حمل العمل في الحديث الشريف على خصوص الواجبات ينافي عمومه المستفاد من وقوعه نكرة في حيّز النفي ، فيتوقّف على قرينة ظاهرة عليه ، وهي ممنوعة.
فإن قيل : إنّ حمله على العموم موجب لتخصيص الأكثر لعدم توقّف صحّة الأكثر من غير الواجبات ـ وكثير منها ـ على نيّة القربة ، فلا بدّ من الحمل على الواجبات.
قلنا : المحذور المذكور مشترك الورود بين التقديرين ، ضرورة عدم توقّف صحّة أكثر الواجبات ـ وهي التوصّليات منها ـ على نيّة القربة.
وبالجملة : كلّ الأعمال من الواجبات وغيرها عدا العبادات منهما ـ التي هي في جنب التوصّليات منهما كالشعرة البيضاء في بقرة سوداء ـ إذا أتى بها الفاعل مع قصده عنوان العمل ـ حيث كان مشتركا بين عناوين ـ يترتّب على ما فعله من الآثار المجعولة له شرعا من الوضعيّة والتكليفية من غير توقّف على نيّة القربة أصلا ، فالخبر على تسليم ظهوره بنفسه فيما ذكره المستدلّ لا بدّ من حمله على غيره ، حذرا عن المحذور المذكور.
والأولى حينئذ حمل العمل على خصوص العبادة مطلقا ـ واجبة ومندوبة ـ كما يشهد له إطلاقه عليها كثيرا في الأخبار كقوله عليه السلام : « العالمون