الماضي في أفعال الماضي مجرّدة أو مزيدا فيها ، وكذا في أفعال المضارع ، فكلّما يتصوّره المستشكل لكونه موضوعا في الأفعال فليفرضه مستعملا في الوجوب في المقام.
هذا ، وكيف كان ، فلا ينبغي التأمّل والارتياب في ظهور الجمل الفعلية الإخبارية حينئذ في الوجوب عرفا من غير قرينة خاصّة موجودة في خصوص المقام ، ويكشف عن ذلك أنّه لو أمر مولى عبده بصيغة الإخبار ـ بأن يقول له : ( تأتيني بالماء ) ـ وعلم العبد أنّ مراده ليس الإخبار ، بل الإنشاء ، فترك الإتيان بالماء ـ معتذرا : بأنّي احتملت أن يكون مراده الندب الغير اللازم عليّ ـ لذمّه العقلاء وأهل العرف ، وجوّزوا (١) عقابه من المولى ، فجعلهم الجملة المجرّدة ـ عن قرينة تعيّن إرادة الوجوب أو الندب ـ حجّة على العبد دليل على ظهورها في الوجوب ، وإلاّ لزم السفه والعبث ، فافهم.
الثاني (٢) : تتبّع الآثار والأخبار المأثورة من المعصومين الأطهار ـ صلوات الله عليهم ، وجعلنا معهم في دار القرار ـ فإنّ من تتبّع الكتب المدوّنة فيها يرى أنّ غالب ما كان المراد بيان وجوب شيء فهو إنّما يبيّن بالجملة الخبرية الخالية عن القرينة اللاحقة لخصوص المورد على تعيينه ، كما في موارد الأمر بالإعادة في العبادات عند عروض الخلل لها ، وكما في موارد الأمر بالوضوء والغسل ، فإنّه أقيم فيها لفظ الجملة الخبرية مقام الأمر ، فجعل في مقام ( أعد ) ( تعيد ) ، وفي مقام ( توضّأ ) ( تتوضّأ ) ، وفي مقام ( اغتسل ) ( تغتسل ) ، وهكذا في غير تلك الموارد من العبادات وغيرها ، حيث أقيمت الجملة الخبرية الفعلية ـ من المضارع والماضي ـ مقام صيغة الأمر ، واكتفى بها ـ مجرّدة عن قرينة تعيّن أنّ المراد أيّ نحو من
__________________
(١) في الأصل : ليذمّونه العقلاء .. ويجوّزون ..
(٢) أي ( الوجه الثاني ) من الوجوه المستدلّ بها على القول بظهور الجملة الخبرية في الوجوب.