بل الظاهر أنّ العرف لا يوسّع مفهوم النقض ، وإنّما يدّعي صدقه على المورد بعد تسامحه وعدم اعتنائه بذلك القليل الذي نقص منه.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ النقض الممنوع عنه ليس هو النقض الواقعي بل هو النقض العرفي ، فيكون شاملاً للمورد بعد المسامحة المذكورة ، لكن ذلك جار في مسألة المقادير ، فإنّ من وجب عليه دفع الصاع من الطعام يمكننا أن نقول إنّ الصاع الواقعي وإن كان هو المحدود بالحدّ الكذائي ، لكن المراد به ما يسمّى في العرف صاعاً ، فلو دفع ما يقلّ عن الصاع بمقدار جزئي لكان ينبغي أن نحكم بكفايته ، وقد تقدّم منه قدسسره أنّ ذلك ممنوع أشدّ المنع ، وقد تقدّم البحث عن ذلك في حواشي ص ٢١٢ فراجع (١).
بقي الكلام في نحو آخر من التسامح ، وهو الذي يقال فيه إنّ القيد الفلاني لا يراه العرف قيداً بل يراه من الحالات ، وهو الذي نوّه عنه في الكفاية بقوله : مثلاً إذا ورد : العنب إذا غلى يحرم ، كان العنب بحسب ما هو المفهوم عرفاً هو خصوص العنب ، ولكن العرف بحسب ما يرتكز في أذهانهم ويتخيّلونه من المناسبات بين الحكم وموضوعه ، يجعلون الموضوع للحرمة ما يعمّ الزبيب ويرون العنبية والزبيبية من حالاته المتبادلة ، بحيث لو لم يكن الزبيب محكوماً بما حكم به العنب كان عندهم من ارتفاع الحكم عن موضوعه ، ولو كان محكوماً به كان من بقائه ، ولا ضير في أن يكون الدليل بحسب فهمهم على خلاف ما ارتكز في أذهانهم بسبب ما تخيّلوه من الجهات والمناسبات فيما إذا لم تكن بمثابة تصلح قرينة على صرفه عمّا هو ظاهر فيه الخ (٢).
__________________
(١) الصفحة : ٥١ وما بعدها.
(٢) كفاية الأُصول : ٤٢٧ ـ ٤٢٨.