أمّا ما بعده من الحالات فهو في قبال العموم أو الاطلاق الأحوالي الراجع إلى قولك مثلاً : يجب إكرام العالم في حال كونه قائماً ، فإنّك إن قلت : يجب إكرام العالم القائم ، كان القائم مركباً للحكم ، ولا يبقى الحكم مع عدمه ، أمّا لو قلت : يجب إكرام العالم قائماً ، بمعنى في حال قيامه ، كان ذلك بمنزلة الظرف الزماني المتعلّق بالوجوب ، وكان ذلك عبارة أُخرى عن قولك : إنّ إكرام العالم يجب في زمان قيامه ، فهو نظير قولك : يجب في النهار الامساك ، فإذا شككنا في بقاء الوجوب بعد انتهاء القيام كان مورداً للاستصحاب ، وكان من قبيل ثبوت الوجوب في زمان والشكّ في بقائه بعد ذلك الزمان.
فقد تلخّص لك : أنّ المسألة أجنبية عن التسامح العرفي ، سواء كان ذلك من قبيل العلّة أو كان من قبيل الحالة أو كان من قبيل نفس الزمان ، نعم على المجتهد أن يستفيد أحد هذه الأُمور من الدليل الاجتهادي حسبما لديه من قوّة ، وبعد تمامية الدليل على واحد منها لا ضير في الاستصحاب ، وتخرج المسألة عن الاختلاف في الموضوع ، فلاحظ وتدبّر.
قوله : هذا ولكن لا يخفى عليك ما في هذا التقريب من الضعف ، فإنّ اليقين في القاعدة ليس فرداً مغايراً لليقين في باب الاستصحاب ، لأنّ تغاير أفراد اليقين إنّما يكون بتغاير متعلّقاته ـ إلى قوله ـ وعدم انحفاظ اليقين في القاعدة وانحفاظه في الاستصحاب لا يوجب أن يكون اليقين في أحدهما فرداً مغايراً لليقين في الآخر ، فإنّ الانحفاظ وعدمه من الطوارئ اللاحقة لليقين بعد وجوده ... الخ (١).
لم أتوفّق لمعرفة الوجه في أنّ الطوارئ على الشيء بعد وجوده لا توجب
__________________
(١) فوائد الأُصول ٤ : ٥٨٨.