كان الاستصحاب جارياً ، وهذه الجمل وأمثالها لا تخلو من إجمال ، فإنّ مثل قولك يجب الإمساك في النهار ، إن جعلت النهار متعلّقاً بالإمساك كان موجباً لتنوّع الامساك ، فإمساك في النهار وإمساك في الليل ، ومن الواضح أنّه لا يصحّ جرّ الوجوب من الأوّل إلى الثاني ، سواء كان تعلّقه به على نحو القيدية أو كان على نحو الظرفية ، بل لا محصّل للظرفية هنا إلاّ القيدية والتنويع ، نعم لو جعلنا قولنا : ( في النهار ) متعلّقاً بقولنا : يجب ، كان ذلك موجباً لتجرّد الإمساك عن وقوعه في النهار ، لكنّه واقع فيه قهراً ، فإنّ وقوع وجوبه في النهار يوجب كونه واقعاً في النهار ، ولعلّ هذا هو المراد من الظرفية في قبال القيدية.
وعلى كلّ حال ، بعد فرض كون قولك : ( في النهار ) متعلّقاً بـ ( يجب ) ، يكون محصّله هو تحقّق الوجوب في النهار ، فإن استفدنا منه الحصر وأنّه لا وجوب إلاّفي النهار وأنّه لا وجوب في الليل ، كان ذلك دليلاً على انقطاع الوجوب بانتهاء النهار ، ولم نكن في شكّ في البقاء. نعم لو لم نستفد من قولنا : ( يجب في النهار ) إلاّمجرّد ثبوت الوجوب في النهار واحتملنا بقاء ذلك الوجوب في الليل أيضاً ، كان ذلك من أوضح موارد الاستصحاب ، إذ ليس يعتبر في الاستصحاب إلاّحدوث الشيء في الزمان والشكّ في بقائه في الزمان الثاني.
نعم ، ربما يشكل عليه بأنّه من قبيل الشكّ في المقتضي ، لكنّه إشكال آخر لا ربط له بما نحن فيه من اعتبار وحدة الموضوع ، ولعلّه يمكن دفعه بأنّ المراد من الشكّ في المقتضي هو ما لم يكن الشكّ في البقاء إلاّمن ناحية ذات الموجود ، وأنّه ينتهي بنفسه ولم يحدث حادث من الزمان والزماني ، مثل قضية مقدار النفط في السراج ، دون ما لو كان من قبيل الشكّ في الغاية الزمانية ، بل دون ما لو كان مغيّى بالزمان نفسه ، هذا شرح الحال في الحكم الواقع في الزمان.