وينبغي التكلّم في مفاد الأُولى ـ ومنه يعلم الكلام في مفاد الثانية ـ فنقول بعونه تعالى : إنّ لفظة « من » في قوله « ممّا قد مضى » إن كانت تبعيضية كان محصّلها أنّك إن شككت في بعض المركّب الذي قد مضى فأمضه كما هو ، وحينئذ تكون مختصّة بقاعدة الفراغ ، ولا دخل لها بقاعدة التجاوز.
وإن كانت لفظة « من » المذكورة بيانية ، كان محصّلها أنّ ما شككت فيه وهو قد مضى فأمضه كما هو ، وحينئذ نقول : إنّها لو كانت منطبقة على مفاد قاعدة التجاوز التي يكون موردها هو الشكّ في الجزء بعد الدخول فيما بعده من الأجزاء ، لابدّ أن نقول إنّ لفظة « فيه » للتعدية ، وأنّ المشكوك هو وجوده ، فلابدّ أن يكون معنى مضيّه مضي محلّه ، نظير نسبة التجاوز عن المحلّ إلى نفس الشيء الذي هو ذو المحل لو صحّت هذه النسبة في المضي كما صحّحناها في التجاوز.
وبعد ذلك لو أردنا إثبات شمولها لمورد قاعدة الفراغ ، بأن ندّعي أنّ الشكّ في وجود الشيء بمفاد كان التامّة يشمل الشكّ في وجوده بتمامه ، بحيث يكون وجود بعض أجزائه مع فقد الباقي من قبيل عدم الوجود لذلك المركّب ، لابدّ أن يكون المضي فيه عبارة عن الفراغ منه ، ولازم ذلك هو كون المراد بالمضي الأعمّ من مضي محلّ الشيء بالنظر إلى مورد قاعدة التجاوز ، ومن مضي نفسه بالنظر إلى مورد قاعدة الفراغ ، والأوّل تجوّز وبالعناية ، والثاني حقيقي ، ولا جامع بينهما.
وإن أخذنا لفظة « فيه » للظرفية ليكون شمول الجملة للمركّب باعتبار كون الشكّ واقعاً فيه ، كانت الشقّة بين مورد قاعدة الفراغ ومورد قاعدة التجاوز أبعد ، إذ لا جامع أيضاً بين كون لفظة « في » للتعدية وبين كونها للظرفية ، مضافاً إلى ما عرفت من كون المضي في الأوّل بمعنى مضي المحل وفي الثاني بمعنى مضيّه في نفسه.