وحينئذ لابدّ أن نقول : إنّها مسوقة لأحد الموردين ، والظاهر أنّها مسوقة للثاني ، إذ لا أقل من استظهار ذلك من لفظ المضي الظاهر في مضيّه في نفسه ، لا أنّه كناية عن مضي محلّه ، ولابدّ حينئذ من أخذ لفظة « فيه » للظرفية ، إذ أخذها للتعدية مع كون الشكّ في الوجود لا يناسب التعبير بلفظ المضي ، فإنّه يعطي الوجود ، ويكون محصّل ذلك أنّك إن شككت في الصلاة بعد مضيّها والفراغ عنها ، بأن كان مشكوكك هو بعض أجزائها أو بعض شرائطها ، فأمضها كما هي ، ولا تعتن بالشكّ المزبور ، ويكون مفادها هو قاعدة الفراغ ليس إلاّ.
ومنه يظهر الحال في قوله عليهالسلام في الرواية الثانية : « كلّ ما مضى من صلاتك وطهورك فذكرته تذكّراً فأمضه ولا إعادة عليك » بعد جعل قوله « فذكرته تذكّراً » كناية عن الشكّ ، وجعل لفظة « من » في قوله « من صلاتك وطهورك » بيانية ، فإنّه حينئذ يكون حاصلها هو أنّ الماضي من صلاتك وطهورك إذا شككت فيه يكون الحكم فيه هو إمضاءه كما هو وعدم وجوب إعادته ، وحينئذ يكون حالها حال الموثّقة ، ويجري فيها ما جرى فيه ممّا تقدّم ممّا تكون النتيجة فيه هي الاختصاص بقاعدة الفراغ.
وأمّا الطائفة الثالثة الواردة في الوضوء مثل رواية أبان ورواية ابن أبي يعفور ورواية زرارة (١) في موارد الحكم في هذه الروايات بعدم الاعتناء فجميعها ناظر إلى قاعدة الفراغ ، ولا دخل لشيء من ذلك بقاعدة التجاوز ، فلاحظ وتدبّر.
ثمّ بعد البناء على كون كلّ منهما قاعدة مستقلّة ، فالظاهر أنّ بينهما عموماً من وجه ، فتنفرد قاعدة التجاوز فيما لو كان الشكّ في الأثناء ، كما تنفرد قاعدة الفراغ فيما لو كان الشكّ بعد الفراغ ، وكان الشكّ في الصحّة من ناحية الشرط
__________________
(١) وقد تقدّمت في الصفحة : ٢٦٨.