قاعدة الفراغ الدخول في الغير استناداً إلى ما عرفت من الروايات ، وقد تقدّم أنّه لو استند إلى هاتين الروايتين ـ أعني رواية زرارة ورواية إسماعيل بن جابر ـ إلى ما أفاده من اعتبار الدخول في الغير في القاعدة المذكورة ، لكان ذلك أولى من الاستدلال على ذلك بالروايات الواردة في باب الوضوء.
وعلى كلّ حال ، نقول : إنّه قدسسره لمّا بنى أنّه لابدّ في قاعدة الفراغ من الدخول في الغير ، وأنّ هذه الكلّية ـ أعني كلّ شيء شككت فيه الخ ـ شاملة لقاعدة الفراغ أو أنّها هي بنفسها قاعدة الفراغ ، لم يمكنه أن يدّعي السنخية بين « الغير » المدخول فيه و « الشيء » المشكوك فيه ، إذ لا ريب في أنّه لا يعتبر في « الغير » المدخول فيه في قاعدة الفراغ في الصلاة أن يكون من سنخ المشكوك فيه ، ضرورة الاكتفاء في ذلك بمثل الحدث والضحك ونحوهما من منافيات الصلاة ، هذا على مسلكه قدسسره من إرجاع القاعدتين إلى كبرى واحدة.
وأمّا بناءً على ما سلكناه من كون كلّ منهما قاعدة مستقلّة وأنّ ما تضمّنته رواية زرارة ورواية إسماعيل بن جابر مختصّ بقاعدة التجاوز ، فأيضاً لا تتمّ دعوى السنخية المذكورة ، لما عرفت من أنّ أساس هذه القاعدة هو بناء العقلاء على أنّ المكلّف الذي تعلّقت إرادته بالكلّ ينبعث إلى الاتيان بكلّ جزء في محلّه ومورده ، على وجه لا يجوز محلّ ذلك الجزء إلاّبعد أن يأتي بذلك الجزء ، وسواء قلنا إنّ هذا التصرّف الشرعي هو إمضاء لما عليه العقلاء أو أنّه تأسيس لا يكون إلاّ عبارة عن الأخذ بهذا الأساس الذي شرحناه ، وهو أنّ المكلّف المقدم على عمل مركّب لا ينتقل من محلّ الجزء إلاّبعد فراغه منه والاتيان به في محلّه ، ومن الواضح أنّ هذا المعنى يتحقّق فيما لو كان خروجه من محلّ ذلك الجزء إلى جزء آخر ، أو كان إلى مقدّمة جزء آخر ، لاشتراكهما في أنّه قد جاز محلّ ذلك الجزء