الرحال لكان أهون على الخلق في الاختبار وأبعد لهم في الاستكبار ولآمنوا عن رهبة قاهرة لهم أو رغبة مائلة بهم فكانت النيات مشتركة والحسنات مقتسمة ولكن الله أراد أن يكون الاتباع لرسله والتصديق بكتبه والخشوع لوجهه والاستكانة لأمره والاستسلام لطاعته أمورا له خاصة لا تشوبها من غيرها شائبة وكلما كانت البلوى والاختبار أعظم كانت المثوبة والجزاء أجزل ألا ترون أن الله جل ثناؤه اختبر الأولين من لدن آدم إلى الآخرين من هذا العالم بأحجار لا تضر ولا تنفع ولا تبصر
______________________________________________________
إليه بصره ومد إليه عنقه وسافر رغبة إليه.
قوله عليهالسلام : « فكانت النيات مشتركة » أي يكون المكلف قد فعل الإيمان لكلا الأمرين فلم يكن نياتهم في أيمانهم ولا حسناتهم خالصة لله بل مشتركة ومقتسمة بعضها له وبعضها للرغبة وبعضها للرهبة كذا ذكره ابن أبي الحديد ، وابن ميثم.
وقيل يحتمل أن يقال : لو كانت الأنبياء أهل قوة وعزة وملك لا من بهم وسلم لأمرهم جميع أهل الأرض عن رغبة ورهبة فكانت النيات والحسنات مشتركة مقتسمة بين الناس ولم يتميز المطيع عن العاصي والمؤمن عن الكافر ولم يتميز من عمل لله خالصة عن من فعل الحسنات لأغراض أخر فلم يكن الاستلام والخشوع لله خاصة لكن لا ـ يخفى أن الأول أظهر وربما بعده أنسب فتأمل.
وقال ابن ميثم : ويروي فكانت السيئات مشتركة أي كانت السيئات الصادرة منهم مشتركة بينهم وبين من فعلوها رهبة منه.
قوله عليهالسلام : « والجزاء أجزل » أي أعظم ، وفي النهج إلى الأخيرين معرفا باللام وفيه لا تضر
قوله عليهالسلام : « جعله للناس قياما » إشارة إلى قوله تعالى« جَعَلَ اللهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنَّاسِ » (١) قال الطبرسي (٢) (ره) القيام مصدر كالصيام ، أي : جعل الله حج الكعبة ، أو نصب الكعبة« قِياماً لِلنَّاسِ » أي لمعايش الناس ومكاسبهم
__________________
(١) سورة المائدة : الآية ٩٧.
(٢) مجمع البيان : ج ١ ـ ٢ ـ ص ٢٤٧.