ومنها : خلو الأخبار عن اعتباره بالمرّة ، ولو كان ذلك معتبرا في الدفع لأشير إليه في الروايات ؛ لعموم البلوى بها وشدة احتياج الناس إليها.
ومنها : ما رواه الكلينى قدس سرّه بإسناده عن العروضي ، عن الصادق عليهالسلام قال : « جاء رجل إلى الحسن والحسين عليهماالسلام وهما جالسان على الصفا ، فسألهما فقالا : إن الصدقة لا تحلّ إلّا في دين موجع؟ أو غرم مقطع أو فقر مدقع ، ففيك شيء من هذا ، قال : نعم ، فأعطياه ، وقد كان الرجل سأل عبد الله بن عمر وعبد الرحمن بن أبي بكر فأعطياه ولم يسألاه عن (١) شيء ، فقال لهما : ما بالهما لم يسألاني عمّا سألني الحسن والحسين عليهماالسلام وغيرهما (٢) بما قالا؟ فقالا : « أنّهما غذيا بالعلم غذاء » (٣).
وقد يناقش في الأوّل بأنّ الأصل المذكور إنّما ثبت في أفعاله من عقوده وايقاعاته ونحوها وفي أقواله بالنسبة إلى أقاريره فيما ثبت شاهد عليه لا له.
وفي الثاني بأنّ الفقر إنّما يكون عدميّا في بعض المقامات ، وفي كثير من المقامات يتوقف على أمر وجودي ؛ لكثرة مصارفه ووفور عياله حتى لا يفي به ما يقدر على تحصيله.
وفي الثالث بأنّ دعوى الضيق والحرج فيه غير مسموعة ، كيف وهو أمر يظهر للمخالطين له والمعاشرين إيّاه بأدنى شيء.
نعم ، قد يقال ذلك بالنسبة إلى الغريب الذي لا معرفة لأحد بحاله ، ولا حرج في الامتناع عن الدفع إليه بمجرّد دعواه إن اريد حصول الحرج بالنسبة إلى الدافع في تكليفها باستعلام الحال بالبيّنة ، لإمكان دفعه إلى الغير.
وإن اريد لزوم الحرج على القائل ففيه أنّ ذلك من الامور الاتفاقيّة ، وليس الحرج المنفي في الشريعة إلّا بالنسبة إلى الامور العامّة دون الوقائع الاتفاقيّة ؛ لوضوح حصول الحرج بالنسبة إلى الخصوصيات في كثير من المقامات.
__________________
(١) في ( د ) : « ثمن ».
(٢) في ( د ) : « وأخبرها ».
(٣) الكافي ٤ / ٤٧ ، باب النوادر ح ٧ مع اختلاف.