فإنّ المتلخّص من تتبّع تلك الروايات كون التمكن من التصرف شرطا في وجوب الزكاة ، قال : ولا يخفى أنّه وإن كان كلّ واحد من هذه الأخبار أخصّ من المدّعى إلّا أنّه بضمّ بعضها إلى البعض ـ ممّا ذكرناه وما لم نذكره ـ يتحصل الحكم المذكور ؛ فإنّ أكثر القواعد الشرعيّة إنّما تحصل من ضمّ الجزئيات بعض إلى بعض مثل القواعد النحوية الحاصلة من تتبع الجزئيّات.
وقد أراد بذلك دفع ما أورده صاحب المدارك (١) في المقام بعد إيراده عدّة من الأخبار من أنها انّما تدلّ على سقوط الزكاة في المال الغائب الّذي لا يقدر صاحبه على أخذه لا على اعتبار التمكن من التصرف بإطلاقه.
وأنت خبير بأنّ مرجع ما ذكره في دفعه هو التمسّك بالاستقراء الظني ، وهو لا ينهض حجّة في الأحكام عند محقّقي الاصوليين ، فضلا عن الأخباريين.
وتمثيله ذلك بالقواعد النحويّة الثابتة من استقراء الجزئيّات غريب ؛ لابتناء معظم قواعد العربية على الامور الظنيّة.
وأين ذلك من إثبات الأحكام الشرعيّة.
وقد يقال بأنّ مقصوده من ذلك انفهام القاعدة المذكورة من ضمّ بعض الأخبار إلى بعض ، وذلك هو المستفاد عرفا من مجموع تلك الروايات.
وكما أنّ مدلول كلّ واحد واحد من الأخبار حجّة شرعيّة يجب الأخذ بها ، وكذا ما يستفاد من مجموعها وهو متّجه سيّما بعد تأيّده بالإجماعات المحكيّة المعتضدة بفتوى الطائفة من غير خلاف يعرف فيه.
وفي المدارك : (٢) إنّه يمكن الاستدلال عليه بأنّه لو وجبت النصاب في الزكاة (٣) مع عدم التمكّن من التصرف عقلا وشرعا (٤) لوجب الإخراج عن (٥) غير العين ، وهو باطل (٦) ؛ إذ الزكاة
__________________
(١) مدارك الأحكام ٥ / ٣١.
(٢) مدارك الأحكام ٥ / ٣٣.
(٣) في ( د ) : « لو وجبت الزكاة في النصاب ».
(٤) في ( د ) : « أو شرعا ».
(٥) في ( د ) : « من ».
(٦) في ( ألف ) : « بطل » بدلا من : « وهو باطل ».