وقد أوقع اختلاف الروايات الشرّاح والمحدّثين في كيفية الجمع بين هذه الأحاديث فقالوا :
أوّلاً : إنّ هذه الرؤية هي رؤية غير الأنبياء عليهمالسلام ، ورؤية غيرهم لا يثبت بها حكم شرعي ؟! (١) .
وقد أجابوا عن هذا الإشكال بقولهم : باحتمال مقارنة الوحي لذلك (٢) !
وهذا كلام بارد لا يمكن أن يبنى عليه حكم شرعي ، مادام أنّ مجيبه صدّره بالاحتمال ، إذ الاحتمال لا يجري نفعاً في المقام مادام المسألة شرعية ، وتحتاج إلى قطع ويقين من أنّ الوحي أمر بمثل تلك الرؤية !
وأجيب أيضاً : أو لأنّه صلىاللهعليهوآله أمر بمقتضى الرؤية لينظر أيقرّ على ذلك أم لا ، ولاسيّما لمّا رأى نظمها يبعد دخول الوسواس فيه (٣) !!
وفيه بطلان واضح ، إذ إنّ ذلك ليس من اجتهاده صلىاللهعليهوآله ـ على القول بكونه يجتهد في الأحكام الشرعية كما يجوّزون ذلك ـ وإنّما هي رؤية لغيره فلا محلّ لإقحام مسألة جواز الاجتهاد له في الأحكام هنا من عدمه ؟!
على أنّه لماذا لا يأتيه الوحي ابتداءً ويخبره بكيفية الأذان بدل أحالته إلى رؤية شخص ، ثمّ إمضاء ذلك الفعل من قبله ؟!
أضف إلى ذلك أنّ الصلاة شرّعت في ليلة معراج النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فلماذا لم يشرّع معها الأذان ؟ وترك النبيّ صلىاللهعليهوآله في حيرة من أمره لا يدري كيف يعلّم الناس بوقت الصلاة حتّى فرّج عنه برؤية عبد الله بن زيد ، أو عمر بن الخطّاب ، أو بلال ، أو أبي بكر ، أو غيرهم من الصحابة ؟!
قال الحافظ : « وقد حاول السهيلي الجمع فتكلّف وتعسّف ، والأخذ بما صحّ أولى ، فقال بانياً على صحّة الحكمة في مجيء الأذان على لسان الصحابي ، أنّ
______________________
(١) فتح الباري ٢ / ٦٤ ، شرح الزرقاني على الموطّأ ١ / ١٩٨ .
(٢) شرح الزرقاني على الموطّأ ١ / ١٩٨ .
(٣) نفس المصدر السابق .