في كربلاء :
لقد حضرت هذه العلوية الشريفة مع والدها أرض كربلاء ، وشاهدت ما جرى على أبيها وأخوتها وعمومتها ، وبقية بني هاشم وأنصارهم ، وشاركت النساء مصائب السبيّ ، والسير من كربلاء إلى الكوفة ، ثمّ الشام فالمدينة المنوّرة .
وعندما ذُبح أخوها عبد الله الرضيع أُذهلت سكينة ، حتّى أنّها لم تستطع أن تقوم لتوديع أبيها الحسين عليهالسلام ، حيث حفّت به بنات الرسالة وكرائم الوحي ، وقد ظلّت في مكانها باكية ، فلحظ سيّد الشهداء عليهالسلام ابنته وهي بهذا الحال ، فوقف عليها يكلّمها مصبّراً لها ، وهو يقول :
سيطول بعدي يا سكينة فأعلمي |
|
منك البكاء إذا الحِمـام دهـاني |
لا تحرقي قلبي بدمعكِ حسرةً |
|
مادام منّي الروح في جـثـماني |
فإذا قتلتُ فأنتِ أولى بالـذي |
|
تأتينه يـا خـيرة الـنـسـوان (١) |
وبعد مصرع الحسين عليهالسلام ، ومجيء جواده إلى الخيام عارياً ، وسرجه خالياً ، خرجت سكينة فنادت : وا قتيلاه ، وا أبتاه ، وا حسناه ، وا حسيناه ، وا غربتاه ، وا بعد سفراه ، وا كربتاه .
فلمّا سمع باقي الحرم خرجن ، فنظرن الفرس ، فجعلْن يلطمن الخدود ، ويقلْن : وا محمّداه .
وعند رحيل العيال بعد مصرع الحسين عليهالسلام مرّوا على أرض المعركة ، فشاهدت سكينة جسد أبيها على الصعيد ، فألقت بنفسها عليه تتزوّد من توديعه ، وتبثّه ما اختلج في صدرها من المصاب ، ولم يستطع أحد أن ينحّيها عنه حتّى اجتمع عليها عدّة ، وجرّوها عنه بالقهر .
______________________
(١) مناقب آل أبي طالب ٣ / ٢٥٧ ، مقتل الحسين لابن مخنف : ١٩٤ ، ينابيع المودّة ٣ / ٧٩ .