أوّلاً : إنّ الأصل في الأشياء الإباحة ، ما لم يأت تحريم ببرهان ، فعلى مدّعي الحرمة إقامة الدليل عليها من كتاب أو سنّة ثابتة مقبولة ، فالأصل إذاً مع منكر الحرمة لا مع المستنكر ، فلنا مطالبته بالدليل لا بالتضليل .
ثانياً : كلّ عمل من تلك الأعمال على الإجمال يسع المتضلّع الفقيه ، تخريج وجه له وجيه ، من عمومات الأدلّة ومحكمات القواعد المعقولة والمنقولة ، كما يستفاد من كلام الشيخ كاشف الغطاء قدسسره في جوابه على مسائل البصريين ، حول ما يجري في الساحة من ذكرى عاشوراء ، وله كلام في ذلك ننقل بعضه مضموناً ، فيما يخصّ مسألة اللطم على الصدور ، وخروج المواكب في الطرقات .
١ ـ ففي مسألة اللطم والدم ، حسبنا ما يرويه أعلامنا ، ويرويه أيضاً غيرنا من حديث دعبل بن علي الخزاعي ، وإنشاده قصيدته التائية عند الإمام الرضا عليهالسلام أيّام ولاية العهد بخراسان ، وكان منها :
أفاطم لو خـلت الحسـين مجـدّلاً |
|
وقـد مـات عطشـانـاً بشط فراتِ |
إذاً لـلطمـت الخـدّ عنـده |
|
وأجريت دمع العين في الوجنات » (١) |
فسمع الإمام الرضا عليهالسلام ولم يستنكر عليه قوله ، فإذا جاز لمثله أن يسمع ذلك ثمّ هو يبكي ، ويثيب الشاعر على قصيدته ثواباً جزيلاً ، فجائز لنا أن نلطم الخدّ أو الصدر في المصيبة الحسينية مادام مشروعاً ، ولو كان منكراً فيه خلاف للشرع لأنكره ، ولكنّه لم ينكر فهو جائز .
٢ ـ وأمّا مسألة خروج المواكب في الطرقات ، فهو أيضاً جائز في نفسه ، دون ما قد يصادفه من وقوع بعض المحرّمات ، فإنّ مساوقة المحرّم للخروج لا تعني حرمة الخروج ، لأنّ حرمة الشيء لا توجب حرمة ما يقع فيه ، فمن تغنّى بالقرآن مثلاً ، لا يقال له إنّ قراءة القرآن حرام ، بل يقال له : إنّ التغنّي بالقرآن حرام .
______________________
(١) شرح الأخبار ٣ / ١٧٣ .