ـ حسبما عرفته ـ خلط بين المقامين ، غفلة عن حقيقة الحال ، بل التوجيه الّذي ذكرناه للاتّفاق ممّا لا يأباه بعض هؤلاء المدّعين له كالسيّد الجليل المتقدّم ذكره ، بل يعترف به في جملة كلام له ، وإن كان عبارته لا تخلو عن تهافت بين صدرها وذيلها ، حيث إنّه إذا رام الجمع بينه حسبما ادّعاه وبين ما في قول الفقهاء والاصوليّين من أنّ الاستعمال لكونه أعمّ لا يدلّ على الحقيقة ، ذكر في صدر كلامه ما يرجع إلى أنّ ذلك في كلامهم نفي للإطلاق لا إطلاق في النفي ، ردّا على من زعم دلالة الاستعمال على الحقيقة مطلقا.
وفي ذيل كلامه ما يرجع إلى ما وجّهناه ، وإن شئت العبارة بعينها فانظر إلى قوله : « إنّ الفقهاء والاصوليّين إنّما قالوا ذلك ردّا على من زعم دلالة الاستعمال على الحقيقة مطلقا ، كما ذهب إليه السيّد المرتضى ومن وافقه ، ولذا تراهم كثيرا مّا يقولون : إنّ الأصل في الإطلاق الحقيقة مع الشكّ في الوضع ، وربّما قالوا : المجاز خير من الاشتراك وذلك إذا تحقّق وضع اللفظ لمعنى وشكّ في غيره ، ولولا أنّ الأصل عندهم هو الحقيقة في صورة الاتّحاد ، والحقيقة والمجاز مع التعدّد لما صحّ ذلك.
والمراد من قولهم : « الاستعمال أعمّ من الحقيقة » إنّ الاستعمال بنفسه لا يدلّ على الحقيقة لا مطلقا ، لأنّه جنس للحقيقة والمجاز والجنس لا يدلّ على بعض أنواعه بعينه ، فلا يمكن إثبات الحقيقة بمجرّد الاستعمال كما يدّعيه القائلون بالاشتراك ، بل لا بدّ في الدلالة عليها من أمر آخر غير الاستعمال المشترك بينها وبين المجاز ، وإن اتّحد المعنى المستعمل فيه ، وثبوت الأصل عندهم لا يقتضي كونه لأجل الاستعمال من حيث هو استعمال ، بل يمكن أن يكون لدليل آخر ... » إلى آخر ما ذكره.
وقضيّة ما أفاده رحمهالله أخيرا كون الاختلاف بينه وبين بعض الأعلام في دعوى الاتّفاق على الحكم بالحقيقة مع اتّحاد المستعمل فيه ، وجعل المشهور هو التوقّف مطلقا لفظيّا ، وهو من عجائب الامور.