ألا ترى إنّه لو أمر السيّد عبده بإضافة العلماء فأحضرهم العبد في مجلس الضيافة إلاّ واحدا منهم ، واطّلع عليه السيّد وسأله عن وجهه فاعتذر بأنّه لم يحصل لي الظنّ بإرادته ، أو انقدح في نفسي الشكّ في أنّك أردته أيضا أو لا ، أو رأيت في المنام أنّك قلت : « ما أردته » فحصل لي الظّن ، بذلك لما سمع عذره وذمّه العقلاء وعاقبه السيّد تعليلا بعدم التنبيه على عدم إرادته وعدم نصبه القرينة على ذلك ، فقد خالفني حيث خرج عن ظاهر خطابي ، وليس هذا إلاّ من جهة أنّ الاصول اللفظيّة وظواهر الألفاظ معتبرة عندهم من باب النوع.
نعم يغلب في المحاورات اتّفاق حصول العلم أو الظنّ الفعلي بالمراد ، غير أنّه ليس لأجل أنّهما المناط في مقام المحاورة ، بحيث لولا أحدهما لما أخذ بظاهر الخطاب ، بل إنّما هو أمر يتحقّق من باب الاتّفاق ، فالغلبة المذكورة اتّفاقيّة لا غير.
وبالجملة : الظاهر حجّة ما لم يقم قرينة معتبرة في نظر العرف مفيدة لإرادة خلاف الظاهر ـ ولو من باب الظنّ النوعي أيضا ـ مطلقا ، وإذا قام نحو هذه القرينة فحينئذ سقط العمل بأصالة الحقيقة ، لا بمعنى أنّها قائمة ولا يعمل بها ، بل بمعنى ارتفاعها بارتفاع موضوعها ، وهو اللفظ المجرّد عن قرينة المجاز ، فإنّ التجرّد يزول بقيام القرينة المفروضة.
وهذا هو معنى ارتفاع موضوع الأصل والظاهر ، وهذا من جملة الشواهد بما تقدّم تحقيقه في مباحث الوضع ، من كون عدم القرينة في العمل على الحقائق جزءا لما يقتضي حمل اللفظ على معناه الحقيقي.
وثانيها : إنّ أصالة الحقيقة ـ بمعنى الظهور ـ كما يعمل بها في مقام الخطاب والمحاورة ، كذلك يعمل بها في مقام الكتابة بجميع مواردها ، لا بمعنى إعمال ذلك الأصل في الخطوط المأخوذة في الكتابة ، الدالّة بالوضع على ألفاظ مخصوصة موضوعة لمسمّياتها ، فإنّ كلّ خطّ خاصّ موضوع للفظ معيّن فهو بحيث يدلّ على مسمّاه بنحو النصوصيّة ولا يحتمل غيره ، فإنّ صورة « زيد » المكتوبة لا تحتمل غير لفظ « زيد » وكذلك عمرو وإنسان وغيرهما من حيث كونه هذا الخطّ الخاصّ.