وثانيهما : إنّه ينزّل هذه الألفاظ المتلفّظ بها أو الحاضر في الذهن منزلة الألفاظ الواقعة في مقام المخاطبة بين متكلّم ومخاطب ، استعلاما لما ينبغي أن يراد منها وما ينبغي أن يستفاد منها في ذلك ، ثمّ يستعمل فيها جميع القواعد والاصول المعمولة في الألفاظ الواقعة في مقام المحاورة.
ومن جملتها الأخذ بظواهرها وحملها على حقائقها إلى أن يقوم قرينة معتبرة بخلافها.
وهذا هو الأظهر بملاحظة العرف ومراجعة الوجدان ، غير أنّه أيّامّا كان من الطريقين فلا ينبغي التأمّل في العمل بأصالة الحقيقة في الألفاظ المدلول عليها بخطوط الكتابة على الوجه المذكور ، لأنّه المعلوم من بناء العرف وطريقة العقلاء في جميع الملل والأديان ، لاستقرارهما بالأخذ بظواهرها من حيث هي من دون مراعاة ظنّ فعلي ، ولا التفات إلى الشكّ ، ولا احتمال القرينة ، ولا الظنّ الغير المعتبر ، ومن أنكر ذلك مطلقا أو في الجملة فقد كابر وجدانه.
وثالثها : إنّ من الأعلام من فصّل في حجّية الظواهر من جهة أصالة الحقيقة فخصّ الحجّية بمن قصد إفهامه مشافها كان أو لا ، حاضرا في مجلس الخطاب أو لا ، موجودا في زمن الخطاب أو لا ، كما في الوصايا ومؤلّفات المؤلّفين حيث إنّ المقصود فيها استفادة كلّ من يلاحظها المطالب منها مطلقا ، دون من لم يقصد إفهامه ولو كان حاضرا في مجلس الخطاب أو موجودا في زمنه.
ويمكن كون مستنده حسبما يتخيّل أحد الأمرين ، من منع صغرى العمل بالظواهر وهو إنّ هذا ظاهر ، أو منع كبراه وهو إنّ كلّ ظاهر حجّة.
أمّا الأوّل : فيمكن تقريره تارة بأنّ ظهور الحقيقة متأخّر رتبة عن ظهورات اخر ، لو لم تكن محرزة لم يحرز الظهور ، وهي ظهور قصد اللفظ وظهور قصد المعنى وظهور قصد إفهام المعنى.
والأصل الأوّلي في جميع هذه المراتب وإن كان هو العدم ، إلاّ أنّ الأصل الثانوي بمعنى الظهور من جهة غلبة اتّفاق القصد في جميع المراتب الثلاث هو