وكيف كان : فيبقى الخاصّ بعد نفي احتمال النسخ مردّدا بين الكشف والتخصيص ، والنظر في ترجيح أحد هذين الوجهين ممّا لا يرجع إلى طائل ، حيث إنّ تكليفنا اليوم ظاهرا وواقعا هو العمل بالخاصّ ، والمفروض إنّ تكليف السابقين المخاطبين بالعامّ واقعا أيضا هو العمل به ، غير إنّه يبقى الشبهة في أنّ تكليفهم ظاهرا أيضا كان هو العمل به أو العمل بالعامّ ، وقد اختفى عليهم الحكم الواقعي لمصلحة ، وهذا شيء لا يترتّب على تحقيقه بالنسبة إلينا فائدة مهمّة ، ولا يتفرّع عليه ثمرة عمليّة ، فلا داعي إلى الخوض في تحقيقه.
مع أنّه قد يقال : إنّ الكشف واختفاء القرائن المخصّصة للعمومات حين ورودها ممّا يبعّده عادة ، بل يستحيله عموم البلوى بها علما وعملا ، وهو يقضي بعدم اختفائها لو كانت مع العمومات مع إمكان دعوى العلم بعملهم بالعمومات وعدم علمهم بقرائن معها ، بل المعلوم جهلهم بها.
وقضيّة ذلك تعيّن التخصيص ، ولا بعد فيه أصلا كما لا مانع عنه عقلا ولا شرعا ، إذ كما يجوز رفع مقتضى البراءة الأصليّة الثابتة بحكم العقل ببيان التكليف الإلزامي على التدريج ، على ما هو معلوم من سيرة النبيّ صلىاللهعليهوآله في تبليغ الأحكام مع اشتراك الكلّ في الأحكام الواقعيّة ، فكذلك يجوز ورود التخصيص والتقييد ببيان ما يخصّص العمومات ويقيّد المطلقات الواردتين في أوائل البعثة على التدريج ، مع كون الحكم الظاهري للسابقين العمل بعمومها وإطلاقها ، لاقتضاء المصلحة إخفاء الحكم الواقعي بالنسبة إلى بعض أفراد العامّ والمطلق عليهم وعلى من يضاهيهم إلى زمان ورود بيان التخصيص أو التقييد ، من غير فرق فيه بين كون الحكم الظاهري المعلّق على العامّ أو المطلق الترخيص في فعل شيء أو تركه ، المستلزم لكون الحكم الواقعي في بعض الأفراد التكليف الإلزامي بالترك أو الفعل مع اختفائه لمصلحة ، أو كونه التكليف الإلزامي بفعل أو ترك لمصلحة في أصل التكليف مع كون الحكم الواقعي هو الترخيص في الترك أو الفعل ، وقد اختفى عليهم للمصلحة المذكورة.