نعم إنّما شاع في غيرها الإطلاق على الزائد أو الناقص ، غير إنّ الظاهر أنّه ليس إطلاقا على الزائد بوصف الزيادة ، ولا على الناقص بوصف النقصان ، ليكون مجازا على التحقيق المتقدّم ، بل هو إطلاق على أحدهما على أنّه الحدّ التامّ تنزيلا للزيادة والنقصان منزلة عدمهما ، فالتسامح إنّما هو في الزيادة والنقصان ، حيث ينزّل الأوّل لعدم الاعتداد به من جهة قلّته منزلة المعدوم ، والثاني لعدم الاعتداد به من جهة قلّته منزلة الموجود. وهذا هو معنى ما يقال : إنّ الإطلاق في محلّ التسامح.
كما أنّه ليس على وجه الحقيقة لغة ولا عرفا فكذلك ليس على وجه المجاز اللغوي ـ الّذي هو عبارة عن الكلمة المستعملة فيما وضعت له ـ بل هو من باب المجازي العقلي.
إذ لا ريب أنّ المولى إذا أمر عبده بشراء منّ من الحنطة ، أو بإتيان قصعة من الماء ، فهو يريد منه المنّ الحقيقي ، فإذا اشترى بنقص قيراط من المنّ ينزّل ذلك في مقام الامتثال منزلة العدم ، فكأنّه أتى بالمنّ التامّ ، لا أنّ المولى أراد منه الناقص فأتى به امتثالا ، فهذا الناقص من أفراد المنّ ادّعاء ومسامحة من العرف ، وكذا الكلام في القصعة.
وفي كلام غير واحد الاستدلال على نفي الحقيقيّة في الزائد والناقص ، بأنّه لو كان لفظ « المنّ » حقيقة في الأقلّ من المقدار المعهود بمثقال لقربه منه وقلّة نقصانه عنه ، لكان حقيقة في أقلّ منه أيضا بمثقالين ، لقربه من الأقلّ بمثقال الّذي هو أيضا معنى حقيقي للّفظ وقلّة نقصانه بالنظر إليه ، وهكذا يقال إلى ما ينتهى إليه النقصان.
وكذا الكلام في جانب الزيادة إلى ما لا يتناهى وبطلانه من البديهيّات ، وفيه من الغرابة والوهن ما لا يخفى.
فإنّ موضوع المسألة ما يتسامح فيه العرف ، ولذا يقيّد الزيادة والنقصان بكونهما يسيرين ، ولا ريب أنّه لا يتسامح عرفا في إطلاق الألفاظ المذكورة على الزائد والناقص إلاّ فيما كان الزيادة والنقصان ملحوظين بالقياس إلى الحدود