وستعرف أنّ الحقيقة الشرعيّة عندهم أعمّ ممّا ثبت وضعه من سائر الشرائع ، فتأمّل لتعرف أنّه لا ملازمة بين سبق معروفيّة اللفظ والمعنى ، وسبق وضع ذلك اللفظ لذلك المعنى ، على تقدير كون اللفظ عند أهل اللغة لغير ذلك المعنى.
نعم إنّما يتّجه هذا البيان إذا فرض كون معنى اللفظ عندهم هو هذا المعنى المعروف لديهم لا غيره ، ولعلّه المراد إن لم يشكل الأمر بالقياس إلى كون وضعه شرعيّا ، والمقام لا يخلو عن تأمّل.
والأولى أن يوجّه التسمية بملاحظة ما سيأتي من أنّهم يخصّون الحقائق الدينيّة بأسماء الذوات ، المفسّرة باصول الدين وما يتعلّق بالقلب ، فليتدبّر.
وأمّا وجه التقسيم المذكور ، فلعلّه التنبيه على أنّ الحقائق الشرعيّة باعتبار الوضع ليست بأسرها منقولات ، كما يظهر من كلام كثير منهم بل صريح بعضهم ، حيث عبّر عنه بنقل الشارع ، بل فيها ما يكون وضعه من باب الارتجال كما يرشد إليه ما عن ظاهر كلام العضدي (١) والتفتازاني من أنّ الحقيقة الدينيّة بأقسامها الثلاث من الموضوعات المبتدعة دون المنقولة.
وما عن المحقّق الشريف والفاضل الباغنوي من التصريح بأنّها كذلك على الأوّل والثالث ، وأمّا على الثاني فهي محتملة للأمرين.
وكأنّ السرّ في مخالفتهما العضدي والتفتازاني بجعلها على الثاني محتملة اختلاف النظر في الوضع هنا على تقدير النقل ، من حيث كونه وضع التعيّن المسبوق على التجوّز ، أو وضع التعيين المسبوق على مجرّد ملاحظة المناسبة ، مع البناء على اشتراط نقل الآحاد في المجاز أو الاختلاف فيه أيضا.
فإطلاق الارتجال من الأوّلين بناء منهما على ترجيح نقل التعيّن على تقدير النقل ، واشتراط نقل الآحاد في المجاز ، فلا يمكن الالتزام بالنقل على الثاني لعدم كون المعنى منقولا من العرب بحكم الفرض ، ليصحّ الالتزام بسبق المجاز الّذي
__________________
(١) شرح العضدي على مختصر المنتهى لإبن الحاجب : ٥٢.