في باب اللغات وأوضاع الألفاظ فبعد باق تحت الأصل الأوّلي المقتضي للمنع.
وبالجملة ، نحن نجد فرقا واضحا بين العمل بظنّ لكونه من أفراد نوع مرخّص في العمل به ، والعمل به للاضطرار إليه من جهة إحراز ما هو من النوع الآخر الّذي وقع التعبّد به وتعيّن التعويل عليه.
والفرق بين الوجهين يظهر عند عدم ثبوت التعبّد بهذا النوع ، أو عدم الاضطرار على تقدير التعبّد إلى ما هو من أفراد النوع الأوّل ، فإنّ العمل به حينئذ سائغ على التعبير الأوّل دون الثاني ، والمطلوب في محلّ البحث إثبات حجّية الظنّ في اللغات على التعبير الأوّل ، والّذي ينتجه الدليل هو العمل به بالتعبير الثاني ، وهو ليس من محلّ البحث في شيء ، بل ليس إلاّ من باب العمل بالظنّ في الأحكام ، وجوازه ليس بمحلّ الكلام.
وإن شئت قلت : إنّ هذا النحو من العمل بالظنّ إذا اضيف إلى الظنّ في اللغات كان من قبيل المستثنى في الأصل المتقدّم بالنسبة إليها ، المعبّر عنه بقولنا : « الأصل في اللغات وفي قول اللغويّين منع العمل بالظنّ إلاّ ما خرج منه بالدليل » فالأصل غير منتقض بمجرّد خروج بعض أفراده للاضطرار إليه بانسداد باب العلم بمعظم الأحكام.
وبالتأمّل في ذلك ـ مضافا إلى ما سبق ـ يندفع ما قيل في الاستدلال على الحجّية ، من أنّ الظنّ في اللغات يستلزم الظنّ بالأحكام ، لوضوح أنّ الظنّ بكون « الصعيد » وجه الأرض مطلقا من قول لغوي ، يلزمه الظنّ بجواز التيمّم على مطلق وجه الأرض ولو حجرا ، والظنّ بالأحكام حجّة مطلقا ، فيلزمه أن يكون الظنّ في اللغات أيضا حجّة.
وجه الاندفاع أوّلا : منع كلّية المقدّمة الاولى ، إذ كلّ ظنّ في اللغات لا يستلزم الظنّ في الأحكام ، فإنّ من اللغات ما لا تعلّق له بالأحكام أصلا ، كما لا يخفى.
وثانيا : منع المقدّمة الأخيرة ، إذ لا يلزم من حجّية الظنّ في الأحكام حجّية كلّ ظنّ في اللغات ، غاية ما يسلّم منه جواز التعويل من الظنّ في اللغات على