وأمّا ما يستشمّ عن بعض العبائر من كون مبنى العلوم العربيّة بالنسبة إلى مقام الاستنباط على التقليد ، فوضوح فساده يغني عن التعرّض لإفساده ، فالحقّ أنّها امور اجتهاديّة لا يكفي فيها التقليد ، ويعتبر فيها العلم فلا يكفي فيها الاجتهاد الظنّي إلاّ في بعض الفروض النادرة.
وسيلحقك زيادة تحقيق للمقام في باب حجيّة الظنّ ، وفي باب الاجتهاد في مسألة التجزّي.
الثاني : قد علم من تضاعيف المسألة أنّ المعتبر في العمل بقول اللغوي ـ بمعنى اعتقاده ـ إنّما هو العلم ، لكن ينبغي أن يعلم أنّ المعتبر في هذا العلم إنّما هو العلم بمطابقة هذا الاعتقاد للواقع.
وأمّا أصل الاعتقاد فلا يعتبر في إحرازه العلم به أيضا ، بل يكفي فيه الظنّ إذا استند إلى ظهور لفظي نشأ منه بنفسه ، أو بواسطة مقدّمة خارجيّة.
وبعبارة اخرى : إنّما يعتبر العلم في كبرى قول اللغوي ، وهو كون ما اعتقده مطابقا للواقع ، لا في صغراه وهو كون ذلك ما اعتقده ، فمهما كانت كبراه ظنّية فلا عبرة به وإن كانت الصغرى علميّة ، ومهما كانت كبراه علميّة يكون معتبرا وإن كانت الصغرى ظنّية بالشرط المذكور.
ولا يقدح استلزامه لظنّية النتيجة من حيث إنّها تتبع أخسّ المقدّمتين.
وقد تقرّر أنّ الظنّ في اللغات ليس بحجّة وهذا منه ، لأنّ هذا الظنّ من الظنون القائمة مقام العلم ، لكونه إنّما سرى إلى النتيجة من الصغرى المحرزة بالظنّ اللفظي ، وهو اللفظ الوارد في عبارة اللغوي عند بيان المعنى.
ومن المقرّر ـ على ما سيجيء في محلّه ـ حجّية ظواهر الألفاظ والظنون المستندة إليها في جميع الموارد ، من المحاورة والمكاتبة بعنوان المراسلة وغيرها ، فصغرى هذا القياس باعتبار كون ما ينقله اللغوي قد يكون معنى متّحدا وقد يكون متعدّدا ، يندرج فيها قسمان :
أمّا القسم الأوّل : يندرج فيه أيضا باعتبار أنّه قد يعلم باعتقاده بالحقيقيّة ، وقد يظنّ به ، وقد يشكّ فيه ، صور ثلاث :