ألا ترى أنّ الماء والنار لا يصدقان إلاّ مع بقاء وصف المائيّة والناريّة ، فكذلك المشتقّ فإنّه لا يصدق إلاّ مع بقاء وصف المبدأ.
وفيه : إنّ المقايسة صحيحة غير أنّ البيان المذكور فاسد الوضع ، فإنّ مناط صدق اللفظ تحقّق ما اخذ في وضعه ، والّذي اخذ في وضع المشتقّ ليس إلاّ النسبة الواقعيّة ولا إشكال في اعتبار بقائها ، وهو لا ينوط ببقاء المبدأ كما عرفت.
كيف وبقاء الشيء عبارة عن وجوده المسبوق بالوجود ، وقد تقدّم أنّ وجود المبدأ ليس مأخوذا في الوضع مطلقا.
ومنها : إنّه لولا اعتبار بقاء المبدأ في الصدق لجاز ترتيب آثار العدالة على من كان عادلا ففسق ، أو آثار الفسق على من كان فاسقا فعدل ، وهذا ضروي البطلان.
وفيه : منع واضح بما مرّ غير مرّة ، فإنّ الوصف الطارئ رافع لمناط الصدق ، بلا مدخليّة لبقاء المبدأ فيه وعدم بقائه.
وأمّا حجج التفاصيل :
فحجّة الأوّل منها : امتناع البقاء فيما لا يمكن ، فيلزم أن لا يكون للمتكلّم والمخبر والماشي حقيقة ، لأنّ معانيها مركّبة عن أجزاء لا يمكن اجتماعها في الخارج ، فالمتكلّم ما لم يتلفّظ بحرف لم يخرج المبدأ من قوّته إلى الفعل فيدخل في الاستقبال ، وبمجرّد التلفّظ به ينقضي وينعدم فيدخل في الماضي.
ولا ريب أنّه مجاز في المستقبل ، فلو كان مجازا في الماضي أيضا لزم ما ذكر ، وبطلان اللازم واضح.
وفيه : إن كان النظر إلى حال التشاغل ـ كما هو الظاهر ـ فالصدق إنّما هو على المتلبّس فعلا ، لأنّ وجود المبدأ في كلّ شيء بحسبه ويكفي في الامور السيّالة مجرّد التشاغل بجزء منها ، فالذات ما دامت متشاغلة بالكلام يصدق عليها عرفا « المتكلّم » بمعنى المتلبّس بالكلام حقيقة ، ولا يضرّه طريان سكوت مّا في الأثناء ، وكذا الكلام في المخبر والماشي ، فليس هذا من الإطلاق على المنقضي عنه المبدأ في شيء ، وإن كان النظر إلى ما بعد التشاغل فبقاء مناط الصدق في كلّ موضع