وأدوات التثنية والجمع المعبّر عنها بأسماء الأجناس موضوعة للطبائع الكلّية المعرّاة عن ملاحظة الأفراد ، ولكنّ الطبيعة قد تعتبر من حيث الوجود في ضمن فرد واحد أو فردين أو أفراد ، فتقيّد بالوحدة أو الاثنينيّة أو ما فوق الاثنينيّة ، وكلّ من هذه القيود كمّيّة تحتاج في الكلام إلى معبّر ولفظ موضوع يعبّر به عنها ، وقد وضع لها التنوين وأدوات التثنية والجمع ، فالوحدة وضع لها التنوين ، والاثنينيّة وضع لها الألف والياء المفتوح ما قبلها ، وما فوق الاثنينيّة وضع لها الواو والياء المكسور ما قبلها.
الثانية : ما قرّرناه في مسألة وضع المركّبات من أنّ المركّب من لفظين لكلّ منهما وضع إفرادي لا حاجة له إلى وضع آخر نوعي متعلّق به من حيث كونه مركّبا ، ما لم يتولّد من التركيب معنى ثالث مفتقر إلى معبّر لا يكفي عنه الجزءان ، وظاهر أنّ المركّب من اللواحق المذكورة والمادّة « كرجل » و « رجلان » و « رجلون » مثلا ـ على فرض ثبوت هذا الجمع فيه ـ إنّما يراد به الطبيعة من حيث وجودها في ضمن فرد أو فردين أو أفراد منها ، وهذا المعنى يكفي في إفادته المركّب باعتبار الوضع الإفرادي الثابت لجزئيه بلا حاجة له إلى وضع آخر ، إذ الجزء الأوّل منه يدلّ على الجزء الأوّل من المعنى ، والثاني منه على الثاني من المعنى وهذا هو معنى كون الوضع في التثنية والجمع شخصيّا متعلّقا بالأدوات.
ولكن يشكل الأمر في أنّ الكمّية المذكورة بأنواعها الثلاث وإن كانت قيودا للطبيعة ، إلاّ أنّها قائمة بالفرد والفردين والأفراد ، وهي بأنواعها الثلاث معاني حرفيّة والأدوات المفيدة لها من قبيل الحروف ، وأمّا نفس الفرد والفردين والأفراد فهي معان اسميّة وتفتقر إلى معبّر لا يكفي فيه الجزءان ، إذ لو اريدت من الأدوات لا نقلب المعنى إلى المعنى الاسمي ، أو دخل المعنى الاسمي في مدلول الحرف ، وهذا غير سائغ عند أهل العربيّة ، ولو اريدت من المدخول الموضوع للطبيعة من حيث هي لزم التجوّز فيما أطبقوا على أنّه لا مجاز فيه ، لدخول ما ليس من الموضوع له في المستعمل فيه.