وقوله أيضا : ( إِنَّ اللهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِ )(١) فإنّ « السجود » مشترك بين الخضوع ووضع الجبهة على الأرض ، كما أنّ الصلاة من الله الرحمة ومن غيره الاستغفار ، وقد استعملا في معنييهما.
أمّا الثاني : فبدليل إسنادها إلى تعالى والملائكة.
وأمّا الأوّل : فبدليل إسناده إلى الشجر والدوابّ وكثير من الناس. فإنّ الأوّلين لا يناسبهما إلاّ الخضوع ، كما أنّ الأخير لا يصلح له إلاّ وضع الجبهة ، لعدم اختصاص الخضوع بالكثير لاشتراك غيرهم ممّن حقّ عليهم العذاب لهم في ذلك.
والجواب عن الأوّل ، في تقريره الأوّل : باختيار الشقّ الأوّل ، والإجمال اللازم منه غير ضائر ، لأنّ المصلحة وحكمة المتكلّم قد تدعو إليه ، مع أنّ تأخير بيان المجمل إلى وقت الحاجة جائز ، خصوصا فيما ليس له ظاهر.
ومع الغضّ عن ذلك فهذا حمل للّفظ على الجميع بالاستدلال ، لا أنّه ظاهر فيه بنفسه ، مع أنّه متفرّع على أصل جواز الاستعمال في الأكثر. وقد ظهر منعه ، ومن الفضلاء من أجاب بذلك ، مضافا إلى أنّه على تقدير تسليم صحّة الاستعمال فمخالفة الاستعمال المذكور للأصل من حيث ندرة مورده على تقدير تحقّقه لا تقصر عن مخالفة الإجمال له ، إن لم يزد عليه ، فيتعارض الأصلان فيجب الوقف (٢).
وفي تقريره الثاني : بأنّ ها هنا شقّا ثالثا ، وهو الحمل على بعض المعاني لا بعينه فيلزم الإجمال ، وبطلانه ممنوع كما عرفت.
وعن الثاني : بمنع اشتراك اللفظين ولا سيّما لفظ « الصلاة » لوضوح عدم جواز تعدّد وضع اللفظ لغة باعتبار اختلاف إضافاته المتشخّصة بخصوصيّات الفاعلين ، مضافا إلى منع ثبوت الحقيقة الشرعيّة فيهما ، والوضع العرفي الوارد على الوضع اللغوي أيضا غير واضح ، والحمل على المعنى اللغوي الجامع بين الجميع ممكن
__________________
(١) الأحزاب : ٥٦.
(٢) الفصول : ٥٦ ( الطبعة الحجرية ) حيث قال : والجواب أمّا عن الأوّل فبأنّه إنّما يتفرّع على تقدير صحّة الاستعمال بل كونه حقيق وقد عرفت وجه المنع فيها ... الخ.