كالخضوع بمعنى الانقياد لأمره تعالى في الأوّل ، فإنّ كلّ شيء متواضع له منقاد لأمره ، ولو بالذكر والتسبيح ولو بنطق ولسان لا يفهمه غيره تعالى وأوليائه ، وقد قال تعالى : ( تُسَبِّحُ لَهُ السَّماواتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ )(١) وفي الحديث عن الصادق عليهالسلام : « ما من طير يصاد في برّ ولا بحر ، ولا يصاد شيء من الوحش إلاّ بتضييعه التسبيح ».
وتخصيصه بكثير من الناس ، لأنّ الأكثر كفّار بإنكارهم الصانع أو النبوّات والشرائع أو غير ذلك من شؤون الكفر وصنوف الشرك ، فلا ينقادون له في أوامره ونواهيه على ما هي عليه ، فاختلاف الإضافات المخصوصة يوجب تعدّد أفراد المعنى الكلّي اللغوي لا تعدّد أوضاع اللفظ بإزاء تلك الأفراد.
نعم يبعد فرض الجامع اللغوي بين معنيي « الصلاة » بل بين معانيها الثلاث ، وهي الرحمة من الله سبحانه والاستغفار من الملائكة والدعاء من المؤمنين ، على ما ورد في النصوص المستفيضة المفسّرة للآية ، فإنّ غاية ما يمكن فرضه لها من المعنى اللغوي إنّما هو الدعاء بالمعنى الإنشائي أعني طلب النفع والخير ، وهو لا يصلح جامعا بين نفسه وفرده وهو الاستغفار ومغايره وهو الرحمة ، ضرورة أنّه ليس فردا للدعاء ، بل هي من الله تعالى بالنسبة إلى نبيّه صلىاللهعليهوآله عبارة عن التفضّل عليه والإحسان إليه بإظهار شرفه وإعلاء شأنه في الدنيا ، بإجلال ذكره وإبقاء دينه وشريعته ، وفي الآخرة بتشفيعه في امّته وتضعيف أجره ومثوبته ، وطلبها عبارة عن طلب الرحمة بهذا المعنى ، ومنه « اللهمّ صلّ على محمّد وآل محمّد » وهو الدعاء المنسوب إلى المؤمنين « فالصلاة » بمعنى الرحمة أشبه بالمجاز ، بل هو مجاز عند التحقيق.
فالوجه في الجواب عن آية الصلاة : هو منع وقوع استعمالها بعد منع الاشتراك في أكثر من معنى ، بالتزام تقدير الفعل ليكون على حدّ قوله : « نحن بما عندنا وأنت بما عندك راض » وهذا الوجه يجري في آية السجود أيضا.
__________________
(١) الإسراء : ٤٤.