وعن خصوصيّات المقام وموارد الاستعمال ، على معنى أنّه لو كان نظره إلى شيء من ذلك أو كان شيء منه مركوزا في ذهنه قطع النظر عنه ونزّل وجوده منزلة عدمه ، وإذا فعل ذلك فلا محالة يدرك في نفسه من التبادر ما يرشده إلى أحد طرفي شبهته.
وبالثاني : أن يرد في كتاب أو سنّة ما يكشف عن تحقّق التبادر في معنى خاصّ من لفظ خاصّ في العرف القديم من الأعصار السالفة والقرون الخالية ، كما في قوله تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ )(١) الآية ، وقوله أيضا : ( ما مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ )(٢) المستدلّ بهما على كون الأمر للوجوب ، فإنّ مرجع الاستدلال بهما وبغيرهما في الحقيقة إلى الاستدلال بالتبادر المتحقّق في العرف الّذي يكشف عنه سياق الآية ، بتقريب : أنّها وردت في سياق الذمّ والتوبيخ ، فيكشف عن الاستحقاق لهما ، وهو فرع على العصيان الّذي هو فرع على فهم التكليف الإلزامي.
ونظيرهما من السنّة ما ورد في قصّة ابن الزبعرى (٣) حيث إنّه بعد ما سمع قوله تعالى : ( إِنَّكُمْ وَما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ )(٤) قال : لأخصمنّ محمّدا عليهالسلام ثمّ جاءه ، وقال : يا محمّد أليس عبده موسى وعيسى والملائكة ... الخ ، فإنّه يكشف عن كونه إنّما فهم من لفظة « ما » من العموم ما هو متناول لمثل موسى وعيسى والملائكة.
ومثل ذلك في النصوص كثير ، وإذا ثبت هذا القسم من التبادر بسند قطعي كان أقوى من سائر أقسامه ، حيث لا حاجة له في استعلام حال عرف زمان الشارع إلى ضميمة والنظر في وسط آخر ، كما كان يحتاج إليه غيره.
وبالثالث : أن يعلم بتحقّق التبادر في العرف وعند أهل اللسان ، بملاحظة الاستعمالات الدائرة بينهم وتتبّع موارد إطلاقاتهم ، والعمدة في باب التبادر هو
__________________
(١) النور : ٦٣.
(٢) الأعراف : ١٢.
(٣) تفسير القمي ٢ : ٧٥.
(٤) الأنبياء : ٩٨.