عرفا أن يقال للبليد : « إنّه ليس بحمار » ولا يصحّ أن يقال : « ليس برجل ، ولا ببشر ، أو بإنسان ».
وهذا ما حكاه بعض الأعلام بعين تلك العبارة لكنّه اعترض عليه : بأنّ ذلك مجرّد تغيير عبارة ولا يدفع السؤال ، فإنّ معرفة ما يفهم من اللفظ عرفا مجرّدا عن القرائن هو بعينه معرفة الحقائق ، سواء اتّحد المفهوم العرفي وفهم معيّنا أو تعدّد بالاشتراك ففهم الكلّ إجمالا ، وذلك يتوقّف على معرفة كون المستعمل فيه ليس هو عين ما يفهم عرفا على التعيين ، أو من جملة ما يفهم عرفا على الإجمال ، فيبقى الدور بحاله انتهى (١).
ولعلّه قدس سرّه أخذ ما في العبارة من قيد « عرفا » في الموضعين الأوّلين قيدا « للاستعمال » و « الفهم » كما هو مقتضى صريح كلامه ، وحينئذ فالاعتراض عليه كما ذكره.
ولكن يدفعه : ذلك القيد في الموضع الثالث ، فإنّه ظاهر كالصريح في كونه قيدا « للصحّة وعدمها » وأصرح منه ما في ذيل العبارة من قوله : « والحاصل الصحّة وعدمها العرفيّان علامتان » ومع ذلك يتعيّن ما في أوّل العبارة لكونه قيدا للسلب الّذي يضاف إليه الصحّة وعدمها ، وعليه فلا اعتراض.
وفي كلام جماعة منهم الفاضل في شرح الزبدة ، والنراقي في عين الاصول دفع الدور بأنّ المراد من قولنا : « صحّة السلب من علامات المجاز » إنّا إذا علمنا المعنى الحقيقي للّفظ ومعناه المجازي ولم نعلم ما أراد القائل منه ، فإنّا نعلم بصحّة سلب المعنى الحقيقي عن المورد أنّ المراد المعنى المجازي.
ثمّ قالوا : إنّ الدور لا يندفع في جانب عدم صحّة السلب ، فإنّا إذا علمنا المعنيين ولم نعلم أيّهما ، المراد فلا يمكن معرفة كونه حقيقة بعدم صحّة سلب المعنى الحقيقي.
__________________
(١) قوانين الاصول ٢١ : ١.