ومن الأجلّة (١) من أجاب عن الدور أيضا : بأنّ المراد بصحّة السلب هو صحّة سلب المعنى الملحوظ في الإثبات في نفس الأمر لا مطلق المعنى ، حتّى يلزم فساد الحكم بصحّة السلب في بعض صوره ، وعدم دلالته على المجاز في بعض آخر ، ولا خصوص المعنى الحقيقي ليلزم الدور في العلامة.
وتوضيح ذلك : إنّ في إطلاق « الحمار » على « البليد » قد لوحظ معنى الحيوان الناهق ، فإنّ إطلاقه عليه إنّما هو بهذا الاعتبار ، مع أنّه يصحّ سلب هذا المعنى بعينه عنه في نفس الأمر ، فيقال : « البليد ليس بحمار » أي ليس بحيوان ناهق في نفس الأمر فتكون مجازا فيه ، إذ لو كان حقيقة لكان البليد حمارا ، أي حيوانا ناهقا في نفس الأمر والمفروض خلافه.
وإذا عرفت معنى صحّة السلب الّذي هو علامة المجاز تبيّن لك المراد من عدم صحّة السلب الّذي هو علامة الحقيقة.
ويرد عليه : أنّ صحّة السلب وعدمها النفس الأمريّين وإن كانا ملزومين للمجاز والحقيقة بحسب نفس الأمر ، غير أنّهما ما لم ينكشفا للجاهل لا يترتّب عليهما فائدة العلامة كما مرّ مرارا ، كما أنّهما إذا انكشفا من دون معلوميّة وصف المعنى المسلوب ليسا بملزومين لهما ، وكونه في نفس الأمر هو المعنى الحقيقي لا يجدي في معرفة كون المعنى المسلوب عنه هو المعنى المجازي أو الحقيقي ، فلا بدّ أوّلا من معرفة أصل الصحّة وعدمها ، وثانيا من معرفة كون المسلوب هو المعنى الحقيقي ، وهو مع الجهل بحال المستعمل فيه المسلوب عنه عند استعلام حاله بهما دوريّ لا محالة.
ومن الأفاضل (٢) من دفع الدور ، بأنّ ما يتوقّف عليه الحكم بعدم صحّة السلب هو ملاحظة المعنى الحقيقي بنفسه ، لا ملاحظته بعنوان كونه معنى حقيقيّا ، والمعلوم بالعلامة المفروضة هو الصفة المذكورة.
__________________
(١) هو السيّد مهدي بحر العلوم رحمهالله.
(٢) هداية المسترشدين : ٥٠ ( الطبعة الحجريّة ).