ما ذكر استنادا إلى الاحتمال كان مستهجنا في نظرهم وأمرا غير مستحسن ، وليس إلاّ من جهة أنّ الاحتمال في خصوص محلّ المقال ساقط عن درجة الاعتبار ، وغير صالح لأن يعتنى به حتّى يلزم منه الوقف والتقاعد عن ترتيب أحكام.
وبالجملة : كون ما ذكر ـ من البناء على العدم ـ أصلا أصيلا وقاعدة معوّلا عليها ممّا لا سترة عليه ، فلا ينبغي الاسترابة فيه ، ولعلّه لوضوح انعقاد هذا الأصل في النفوس والأذهان ووضوح مدركه لم يتعرّضوا للبحث عن اعتباره إثباتا ولا نفيا ، وليس إلاّ من جهة أنّ التعرّض لبيان مثله داخل في توضيح الواضحات ، ولم يعهد عن أحد القدح في الاعتماد عليه ، ولا يكون إلاّ لدخول نحوه في عنوان المكابرة للوجدان ، أو المناقشات في الضروريّات الغير اللائقة بالكتمان.
الرابع : إنّ صحّة السلب وعدمها يمتازان عن التبادر وعدمه بعدم انعقادهما في جملة من الألفاظ ، وهي على ما قيل الهيئات والحروف ، وقد يلحق بهما المبهمات وغيرها ممّا وضع بوضع عامّ لأمر خاصّ ، فلا يقال : « زيد ليس بهذا » ولا « هند ليست بهذه » ولا « الجماعة المعهودة ليسوا هؤلاء » ولا الجزئي الحقيقي من المخاطب ليس « بأنت » ولا الابتداء الملحوظ بين السير والبصرة ليس « بمن » لا لأنّ السلب ليس بصحيح كما في « البليد ليس بإنسان » بل لاستهجان العرف عن أصل القضيّة ، ولو صادف السلب محلّه الواقعي ، وقضيّة ذلك دوران انعقادهما وجودا وعدما مع الاستهجان وجودا وعدما.
وربّما يعلّل العدم بالنسبة إلى الهيئآت والحروف بعدم استقلال معانيهما بالمفهوميّة ، والقضيّة من شرطها استقلال كلّ من موضوعها ومحمولها بالمفهوميّة.
وبعض ما ذكر لا يخلو عن نظر :
أمّا أوّلا : فلعدم كون إطلاق هذا القول بالنسبة إلى الهيئات في محلّه ، بل لا بدّ من تخصيصه بهيئات الأفعال ـ إخباريّة أو إنشائيّة ـ وهيئآت المركّبات الموضوعة للنسب المخصوصة ـ التامّة والناقصة ـ لعدم كونها كالحروف صالحة لأن تؤخذ في محمول القضيّة من غير تأويل على وجه يكون المسلوب مسمّياتها الوضعيّة الملحوظة بوصف أنّها مسمّيات على حدّ الحمل الذاتي.