وأمّا هيئات الأسماء المشتقّة فينبغي فيها القطع بالجواز ، ضرورة صحّة أن يقال في نحو قوله تعالى : ( ماءٍ دافِقٍ )(١) إنّه ليس بدافق ، مرادا به سلب ما قام به الدفق عن المورد ، وفي نحو قوله تعالى : ( حِجاباً مَسْتُوراً )(٢) إنّه ليس بمستور ، مرادا به سلب ما وقع عليه الستر عن المورد ، وفي نحو « زيد عدل » و « خلق الله » أنّه ليس بعدل وخلق الله مرادا به سلب هذين الحدثين عن المورد ، والوجه في صحّة المذكورات أنّ الجاهل المستعلم بالنظر في العلامة ربّما يعلم إجمالا أنّ كلا من هذه الهيئآت موضوعة بنوعها لأحد هذه المفاهيم ، وأنّ خصوصيّات كلّ نوع إنّما ترد في الاستعمالات على حسبما فيها من المعاني النوعيّة ، وأنّ كلاّ منها ربّما ترد مجازا في معنى صاحبها ، فيستعلم التمييز بين حقائق معاني كلّ نوع ومجازاته بمراجعة العلامتين.
وقضيّة ذلك أن يتبيّن له في أوّل الأمثلة كون هيئة « فاعل » مجازا فيما وقع عليه المبدأ ، وفي ثانيها كون هيئة « مفعول » مجازا فيما قام به المبدأ ، وفي ثالثها كون هيئة المصدر مثلا مجازا في معنى الفاعل والمفعول ، كما أنّه يتبيّن بعدم صحّة سلب نحو الأوّل عمّا قام به المبدأ ونحو الثاني عمّا وقع عليه المبدأ ونحو الثالث عن الحدثين إنّها حقائق في هذه المعاني بحسب أوضاعها النوعيّة.
وأمّا ثانيا : فلمنع الدعوى في نحو ما ذكر من المبهمات إذا اخذت في محمول القضيّة على طريقة الحمل الذاتي ، بفرض توجّه السلب إلى مفاهيمها باعتبار وصفها عن ذات الموضوع ، المأخوذة في كلّ قضيّة نفس كلّ واحد من تلك المفاهيم ، فيقال في موارد استعمال « أنت » أو « هذا » أو غيرهما بعنوان الحقيقة أو المجاز : « أنّه ليس بأنت ، أو هذا » بإرادة الذات الملحوظة على وجه الخطاب أو الإشارة باعتبار وصف كونها مسمّاة لهذا اللفظ ، وسلبها بهذا الاعتبار عن الذات المأخوذة موضوعة الملحوظة لا بهذا الاعتبار ، فالسلب لا محالة إمّا صحيح أو غير صحيح فتأمّل جيّدا.
__________________
(١) الطارق : ٦.
(٢) الإسراء : ٤٥.