الثاني : حصول مكروه أشق عليه من فوات هذا المحبوب ، بل يجتمع له الأمران. أعنى : فوات ما هو أحب إليه من هذا المحبوب ، وحصول ما هو أكره إليه من فوات هذا المحبوب. فإذا تيقن أن في إعطاء النفس حظها من هذا المحبوب ، هذين الامرين ـ : هان عليه تركه ، ورأى أن صبره على فوته أسهل من صبره عليهما بكثير. فعقله ودينه ومروءته وإنسانيته : تأمره باحتمال الضرر اليسير ، الذي ينقلب سريعا لذة وسرورا وفرحا ، لدفع هذين الضررين العظيمين. وجهله وهواه وظلمه وطيشه وخفته : تأمره (١) بإيثار هذا المحبوب العاجل بما فيه ، جالبا عليه ما جلب. والمعصوم من عصمه الله.
فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء ، ولم تطاوعه لهذه المعالجة ـ : فلينظر ما تجلب عليه هذه الشهوة من مفاسد عاجلته (٢) ، وما تمنعه من مصالحها. فإنها أجلب شئ لمفاسد الدنيا ، وأعظم شئ تعطيلا لمصالحها. فإنها تحول بين العبد وبين رشده الذي هو ملاك أمره ، وقوام مصالحه.
فإن لم تقبل نفسه هذا الدواء : فليتذكر قبائح المحبوب ، وما يدعوه إلى النفرة عنه. فإنه إن طلبها وتأملها : وجدها أضعاف محاسنه التي تدعو إلى حبه. وليسأل جيرانه عما خفى عليه منها : فإن المحاسن كما هي داعية الحب والإرادة ، فالمساوى داعية البغض والنفرة. فليوازن بين الداعيين ، وليحب أسبقهما وأقربهما منه بابا. ولا يكن ممن غره لون جمال على جسم أبرص مجذوم ، وليجاوز بصره حسن (٣) الصورة إلى قبح الفعل ، وليعبر من حسن المنظر والجسم ، إلى قبح المخبر والقلب.
فإن عجزت عنه هذه الأدوية كلها : لم يبق له إلا صدق اللجأ (٤) إلى من يجيب المضطر إذا دعاه ، وليطرح نفسه بين يديه على بابه : مستغيثا به ، متضرعا متذللا مستكينا.
فمتى وفق لذلك : فقد قرع باب التوفيق. فليعف وليكتم ، ولا يشبب بذكر المحبوب ،
__________________
(١) بالزاد : يأمره. وكل صحيح كما لا يخفى.
(٢) كذا بالأصل والزاد. أي دنياه : فلا تتوهم أنه محرف عن « عاجلة ».
(٣) كذا بالزاد ١٥٤. وفى الأصل : من حسن. ولعل الزيادة من الناسخ أو الطابع. انظر المختار والمصباح : ( جوز ).
(٤) كذا بالزاد. وفى الأصل : اللجاء. وهو خطأ وتحريف على ما في المختار : ( لجأ ).