فإذا ثبت تحريم هذا التصدق قبل تعلّق النذر به ، فلا إشكال حينئذ ولا خلاف في عدم انعقاد نذره ؛ إذ هو معصية ، فكيف يصح التقرب به؟ ولو نوقش في التحريم فلا أقل من الكراهة المستلزمة للمرجوحيّة ، وهي كافية في عدم انعقاد النذر.
لا يقال : إن الصدقة عبادة ، ومكروه العبادة بمعنى الأقلّ ثوابا ، فلا ينافي انعقاد النذر.
لأنا نقول : الذي ترجّح عندنا من الأخبار هو التحريم ، لكن لو تنزلنا لمنازع (١) ينازع في ذلك (٢) فلا أقل من الكراهة ، وليست الكراهة ـ كما ربما يتوهم ـ كراهة متعلقة بالصدقة ؛ لأن الانفاق على هذا الوجه لا يدخل في باب الصدقة بوجه.
كيف ، وهو داخل في باب الإسراف الذي لا يحب الله صاحبه ، وداخل في باب الإلقاء باليد إلى التهلكة (٣) مسجلا عليه بأن صاحبه ما أحسن ولأوفق للخير (٤) ، وداخل فيما يمنع إجابة الدعاء؟ بل المراد بهذه الكراهة ـ على تقدير تسليمها ـ : إلحاقه بالمباحات المكروهة المرجوحة.
فإن قيل : قد ورد في صحيحة محمد بن يحيى الخثعمي عن الصادق عليهالسلام فيمن نذر أن يتصدّق بجميع ماله أنه يقوّم ماله من منزل ومتاع وجميع ما يملكه بقيمة عادلة ، ثم يضمنها في ذمّته ويعود إلى ماله ويتصرّف فيه كما كان أوّلا ، ثمّ يتصدق بما ضمنه في ذمّته من القيمة شيئا فشيئا تدريجا على وسعه ، حتى
__________________
(١) في «ح» : المنازع.
(٢) في «ح» : في المنازع ذلك ، بدل : ينازع في ذلك.
(٣) إشارة إلى قوله تعالى (وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ). البقرة : ١٩٥.
(٤) الكافي ٤ : ٥٤ ـ ٥٦ / ١ ـ ١١ ، باب كراهة السرف.