على انتفاء ذلك الحكم فيه ، فيحكم ببقائه على ما كان ؛ استصحابا لتلك الحال الاولى. وبعبارة اخرى : إثبات الحكم في زمان لوجوده في زمان سابق عليه.
وهذا هو محل الخلاف في المقام ، ومنتصل سهام النقض والإبرام.
فجملة من الاصوليين ـ بل قيل : أكثرهم ـ على القول بحجيته. والمشهور بين المحدثين ، وجملة من الاصوليين ، بل نقل البعض (١) أنه مذهب أكثرهم ، ومنهم الشيخ المفيد (٢) ، والسيد المرتضى (٣) ، والمحقق الحلي (٤) ، والمحقق الشيخ حسن ابن شيخنا العالم الرباني الشهيد الثاني (٥) والسيد السند صاحب (المدارك) (٦) ـ قدس الله أرواحهم ـ على عدم حجيته ، ومثلوا له بالمتيمم إذا دخل في الصلاة ثم وجد الماء في أثنائها ، فإن الاتفاق واقع على وجوب المضيّ فيها قبل الرؤية ، فهل يستمر على فعلها والحال كذلك بناء على الاستصحاب ، أم يستأنف؟
وزاد بعض أصحابنا المحقّقين من متأخّري المتأخّرين قسما آخر ، وهو استصحاب حال العقل ، قال : (القسم الثاني : استصحاب حال العقل ، أي الحالة السابقة ، وهي عدم شغل الذمّة عند عدم دليل وأمارة عليه ، والتمسّك به بأن يقال : إن الذمة لم تكن مشغولة بهذا الحكم في الزمن السابق أو الحالة الاولى ، فلا تكون مشغولة في الزمان اللاحق أو الحالة الاخرى ، وهذا إنّما يصحّ إذا لم يتجدّد ما يوجب شغل الذمة في الزمان الثاني. ووجه حجيّته حينئذ ظاهر ؛ إذ التكليف بالشيء مع عدم الإعلام به تكليف (٧) ما لا يطاق) (٨) انتهى.
__________________
(١) معالم الاصول : ٣١٩.
(٢) التذكرة في اصول الفقه (ضمن سلسلة مؤلفات الشيخ المفيد) ٩ : ٤٥.
(٣) الذريعة إلى اصول الشريعة ٢ : ٨٢٩ ـ ٨٣٠.
(٤) معارج الاصول : ٢٠٦.
(٥) معالم الاصول : ٣٢٤.
(٦) مدارك الأحكام ١ : ٤٦ ـ ٤٧.
(٧) في «ح» ، والمصدر بعدها : الغافل وتكليف.
(٨) الوافية في اصول الفقه : ١٧٨.