وفيه أن مرجع ذلك إلى (١) ما ذكرنا من الفرد الآخر من القسم الأول ـ أعني : نفي الوجوب في فعل وجودي إلى أن يقوم دليله ـ فإنه لمّا اعتبر في هذا القسم الذي ذكره عدم العلم بتجدّد ما يوجب ثبوت الحكم في الزمان اللاحق بعد الفحص المعتبر في الحكم ببراءة الذمة ، اشتركا في العلة الموجبة التي هي لزوم التكليف بما لا يطاق.
نعم ، ربما يظهر وجه الفرق بينهما ، بأن الاستدلال في هذا القسم الذي ذكره ، مبنيّ على انتفاء الحكم في الزمان السابق ، وإجرائه في اللاحق بالاستصحاب ؛ فيرد عليه ما يرد على حجيّة الاستصحاب في نفس الحكم الشرعي. ولهذا اعترضت الشافعية (٢) على الحنفية بأن قولهم بالاستصحاب في نفي الحكم دون نفسه تحكّم ، وبناؤه في القسم الأول على انتفاء الدليل على ثبوت الحكم في الحال ، سواء وجد في السابق أم لا ، إلّا إن فيه :
أولا : أن اعتبار عدم العلم بتجدد ما يوجب ثبوت الحكم في الزمن اللاحق بعد الفحص ، يوجب رجوعه إلى الأول كما عرفت.
وثانيا : أنه لما كان مرجع حجّيّة الأول كما ذكرنا ثمة إلى أن الإنسان إذا خلّي ونفسه كانت ذمته بريئة من تعلق التكليف ، سواء كانت التخلية في الزمن السابق أو اللاحق فلا يظهر لهذا الفرق حينئذ وجه. وبذلك يظهر أيضا سقوط إيراد الشافعية على الحنفية بالقول بحجية الاستصحاب في نفي الحكم دون ثبوته ، فإن ذلك ليس تحكما كما ادعوه.
إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه قد استدلّ القائلون بحجية الاستصحاب ، بالمعنى الرابع بوجوه :
__________________
(١) ليست في «ح».
(٢) انظر : الفوائد المدنيّة : ١٤٤ ، الوافية في اصول الفقه : ١٨٣.