أحدها : أن المقتضي للحكم الأول ثابت ، والمعارض لا يصلح رافعا له ، فيجب الحكم بثبوته في الثاني. أمّا أن المقتضي للحكم الأول ثابت ؛ فلأنا نتكلم على هذا التقدير ؛ وأما أن المعارض لا يصلح رافعا ؛ فلأن المعارض إنّما هو احتمال تجدد ما يوجب زوال الحكم ، لكن احتمال ذلك يعارضه احتمال عدمه ، فيكون كل واحد منهما مدفوعا بمقابله ، فيبقى الحكم الثابت سليما عن المعارض.
وثانيها : أن الثابت أولا ، قابل للثبوت ثانيا ، وإلّا لانقلب من الإمكان الذاتي إلى الاستحالة ، فيجب أن يكون في الزمان الثاني جائز الثبوت كما كان أولا ، فلا ينعدم إلّا لمؤثّر ، لاستحالة خروج الممكن عن أحد طرفيه إلى الآخر إلّا لمؤثر.
فإذا كان التقدير عدم العمل بالمؤثر يكون بقاؤه أرجح من عدمه في اعتقاد المجتهد ، والعمل بالراجح واجب.
وثالثها : أن الفقهاء عملوا باستصحاب الحال في كثير من المسائل ، والموجب للعمل هناك موجود في موضع الخلاف ، وذلك كمسألة من تيقن الطهارة وشك في الحدث فإنه يعمل على يقينه وكذلك العكس ، ومن تيقّن طهارة ثوبه في حالة بنى على ذلك حتى يعلم خلافها ، ومن شهد بشهادة يبني على بقائها حتى يعلم رافعها ، ومن غاب غيبة منقطعة حكم ببقاء أنكحته ولم تقسم أمواله وعزل نصيبه من المواريث. وما ذلك إلّا لاستصحاب حال حياته. وهذه العلة موجودة في موضع الاستصحاب ، فيجب العمل به.
ورابعها : أن العلماء مطبقون على وجوب إبقاء الحكم مع عدم الدلالة الشرعية على ما تقتضيه البراءة الأصليّة ، ولا معنى للاستصحاب إلّا هذا.
وهذه الوجوه الأربعة نقلها المحقق الشيخ حسن قدسسره في (المعالم) حجة للقائلين بالاستصحاب ، وسكت في (١) الجواب عنها (٢) ، مع أن المفهوم منه عدم القول بذلك.
__________________
(١) في «ح» : عن.
(٢) معالم الاصول : ٣٢١ ـ ٣٢٣.