غاية الأمر أنه لم يقم على نفيه في الحالة الثانية دليل. والفرض أن الحالتين متغايرتان كما عرفت من تمثيلهم بالمتيمم ، والاحتجاجات من الطرفين نفيا وإثباتا ؛ فإنه صريح فيما ذكرنا.
وحينئذ ، فمجرد عدم وجود الرافع ، مع تغاير الحالين لا يقتضي إجراء الحكم لا بطريق الواقع ولا الظاهر ؛ إذ لا بد في صحة الحكم من شمول الدليل ولو بطريق الإطلاق صريحا أو مفهوما ، وما نحن فيه ليس كذلك ، على أن وجود الرافع فرع وجود الدليل في الحالة الثانية.
وهو كما عرفت ممنوع ، فقوله في آخر كلامه : (والإطلاق مشترك بينه وبين الصور المختلف فيها) ممنوع ، كيف وهو في غير موضع من مصنفاته (١) قد عدّ أقسام الاستصحاب ، وجعل هذا القسم المختلف فيه قسيما لهذا القسم المدلول عليه بالإطلاق؟! فلو كان مما يمكن إدخاله تحت الإطلاق لما صحّ جعله
__________________
(١) قال قدسسره في كتاب (الفوائد المدنيّة) في تعداد الوجوه الدالّة على بطلان الاستصحاب الثالث : (إن هذا الموضع من مواضع عدم العلم بحكمه تعالى ، وقد تواترت الأخبار ، بأنه بعد [إكمال] (١) الشريعة يجب التوقف في تلك المواضع كلها. ويجب الاحتياط في العمل أيضا في بعضها) (٢) انتهى.
ثم نقل جملة من الأخبار المشتملة على صور بعضها يوافق الاستصحاب وبعضها يخالفه ، قال : (ومن تأمّل في هذه الأخبار (٣) يقطع بعدم جواز التمسك بالاستصحاب الذي اعتبروه) (٤) انتهى.
وهذا كله مخالف لما اختاره مبسوطا هنا كما لا يخفى. منه دام ظله ، (هامش «ح»).
__________________
١ ـ في الأصل : الحال.
٢ ـ الفوائد المدنيّة : ١٤٣.
٣ ـ في المصدر : «ومن تأمل الروايات».
٤ ـ الفوائد المدنية : ١٤١ ـ ١٤٣ ، حيث وردت عبارة : «ومن تأمل الروايات» في الصفحة : ١٤١ ، ثم ساق الأخبار مستوعبا بها في الصفحة : ١٤٢ وجزءا من الصفحة : ١٤٣ ، ثم عقبها بقوله : يقطع بعدم جواز التمسك بالاستصحاب.