قسيما ، ولما صح جعله مطرحا للخلاف مع الاتفاق كما عرفت على ذلك القسم المستند إلى الإطلاق ؛ إذ لا خلاف كما عرفت في صحة الاستناد إليه (١) وبناء الأحكام عليه.
وأمّا ثانيا ، فلأن الأدلة الدالة على إبطاله ـ كما قدمنا ذكرها ، مع كونه قائلا بمضمونها ، وقد أورد شطرا منها ـ لا اختصاص لها بصورة إجراء الحكم على جهة كونه واقعيا ، بل هي دالة على عدم صحة الحكم المذكور في الزمن الثاني أعم من أن يكون واقعيا أو ظاهريا.
وبالجملة ، فالمانع مستظهر ؛ إذ عدم الدليل دليل العدم ، وما استند إليه من لزوم (٢) الحرج والحيرة ، مندفع بالرجوع إلى العمل بمقتضى البراءة الأصلية ؛ فإنها في نفي الوجوب في فعل وجودي حجة كما تقدم ، فلا ينحصر دفع الحيرة في العمل بالاستصحاب.
وأمّا ثالثا ، فلأنه قدسسره لا يعمل في جميع الأحكام إلّا على ما يفيد القطع ، ويمنع من البناء في الأحكام الشرعية على الظن. وهنا يتستّر عن البناء على الظن بكون إجراء الحكم إنّما هو إجراء ظاهري لا واقعي. والناقد البصير والمتتبع الخبير لا يخفى عليه أن الشارع لم يجعل شيئا من الأحكام منوطا بالواقع ، وإنّما جعل التكليف منوطا بعلم المكلف بالأسباب التي رتب عليها تلك الأحكام ، كما تقدم ذلك في مواضع من درر هذا الكتاب.
وأمّا رابعا ، فلأن الاستصحاب المذكور هنا معارض بالبراءة الأصلية ، فهاهنا تعارض بين معنى الأصل ـ أي الحالة السابقة المستصحبة ـ والحالة التي إذا خلّي الشيء ونفسه كان عليها. وعدم الدليل على الاستصحاب ، بل قيام الدليل
__________________
(١) ليست في «ح».
(٢) ليست في «ح».