إذا عرفت ذلك ، فاعلم أنه لا خلاف بين الأصحاب ـ رضوان الله عليهم ـ في أنه مع وجود الفقيه المتّصف بما ذكرنا لا (١) يجوز لغيره ممن نقص عن المرتبة المذكورة تولّي شيء من الامور الحسبية ، فضلا عن الحكم والفتوى وإن كان عدلا مطّلعا على فتاوى الفقهاء ، وأما مع فقد الفقيه المذكور ، فقد صرح جملة منهم بجواز تولي العدل من العلماء لبعض الامور الحسبية ، كما ستأتي حكايته.
أمّا الحكم والفتوى ، فقد نقل جملة منهم الإجماع على أنه لا يجوز تولّي ذلك إلّا لمن بلغ تلك المرتبة القصوى. وممن نقل الإجماع المذكور المحدث الكاشاني قدسسره حيث قال في كتاب (المفاتيح) ـ بعد أن ذكر الشروط المعتبرة في القاضي ، التي من جملتها الفقه عن بصيرة ، وأنه لا يجوز لمن اختل منه شرط من تلك الشروط ، تولي القضاء ـ ما صورته : (ولا فرق فيمن نقص عن مرتبة البصير بين المطّلع على فتوى الفقهاء وغيره ، ولا بين حالة الاختيار والاضطرار بإجماعنا فيهما) (٢) انتهى.
والفاضل (٣) المحقق الملّا محمد المازندراني في (شرح اصول الكافي) حيث قال في شرح قوله : «ونظر في حلالنا وحرامنا» (٤) : (وهذا هو المعبر عنه بالفقيه الجامع لشرائط الفتوى ، والحكومة بين الناس ، ولا يجوز لمن نزل عن مرتبتة تصدي الحكومة وإن اطلع على فتوى الفقهاء بلا خلاف عند أصحابنا) (٥) انتهى.
وقال شيخنا الشهيد ـ نوّر الله تربته ـ في قواعده : (يجوز للآحاد مع تعذّر الحكام تولية آحاد التصرّفات الحكمية على الأصح ، كدفع ضرورة اليتيم لعموم (وَتَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوى) (٦).
__________________
(١) في «ح» ذكرناه فلا ، بدل : ذكرنا لا.
(٢) مفاتيح الشرائع ٣ : ٢٤٧ / المفتاح : ١١٥٠.
(٣) معطوف على المحدث الكاشاني.
(٤) الكافي ١ : ٦٧ / ١٠ ، باب اختلاف الحديث.
(٥) شرح الكافي ٢ : ٤١١.
(٦) المائدة : ٢.