الشوكة ـ كما هو الواقع ـ مخالف لإجماع المسلمين.
وحينئذ ، فالقول في هذه المسألة الإجماعية بالحكم لأهل التقليد ، حكم واقع بغير ما أنزل الله سبحانه ، وعين عنوان الجرأة عليه ، فكيف يعملون بفتواهم مرة ويخالفونها (١) اخرى ، والكل موجود في كتاب واحد؟ (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) (٢).
بل قد ذكر الأصحاب في كتبهم ما هو أغرب من ذلك وأعجب ، وهو أنه لا يتصور حكم المقلد بوجه ولا تولية المجتهد الحي له في حكم ، وذكروا في باب الوكالة (٣) أن مما لا يقبل النيابة القضاء ؛ لأن النائب إن كان مجتهدا في حال الغيبة لم يتوقف حكمه على نيابته ، وإلّا لم تجز استنابته. ومن هاهنا يعم على الطبقات السالفة التي بين الناقل وبين المجتهدين ؛ فإنكم تعلمون علما يقينيّا بأن كلّهم أو جلّهم أو من شاهدته منهم أنهم كانوا يتحاشون عن الأحكام ، وتقع منهم مرارا ، وكفى جرحا في فعل ما خالف الإجماع المصرّح به من مثل العلّامة جمال الدين رحمهالله وغيره ، بل يترتب على هذا ضمانهم الأموال التي حكموا بها واحتبسوها من مال الغائب وغيره. واستقرارها في ذمتهم كما هو معلوم مفرد في بابه مقطوع به في فتواهم بأن من هو قاصر عن درجة الفتوى يضمن ما أخطأ فيه من الأحكام في ماله ، ويضمن ما تصرّف فيه من مال الغائب) (٤) انتهى كلامه علت في الخلد أقدامه.
وإنّما نقلناه في المقام بطوله ؛ لجودته وكثرة محصوله ، وأنت خبير بما عليه اتّفاق كلمة هؤلاء الأجلّاء ، ومن نقلوا عنهم فيما ذكرنا.
__________________
(١) في «ح» : ويخالفوهم.
(٢) البقرة : ٨٥.
(٣) مسالك الأفهام ٥ : ٢٥٦.
(٤) عنه في العشرة الكاملة : ١٥١ ـ ١٥٢ (باختصار).