الله تعالى في شرح هذا الحديث.
والنظر بالذهن الثاقب والفهم الصائب في خبايا تلك الدلالات وما اشتملت عليه من الاحتمالات والاستعانة بالنظر في مطوّلات الأصحاب الاستدلالية ، للاطلاع على ما فيها ، ولا سيما خلاف تلك الامة الغويّة.
ولا ريب أن من تقدمنا من مشايخنا ـ شكر الله جهدهم ، وأجزل رفدهم ـ بما دوّنوه لنا من الأخبار وبوبوه ورتبوه وهذبوه وحققوه وشرحوه وبينوه وأوضحوه ، وقد قربوا لنا البعيد وهو نوالنا الشديد ، إلّا إنه ليس مجرد الوقوف على كلامهم ، والاطّلاع على نقضهم وإبرامهم كافيا في المطلوب ، والفوز بالمحبوب ؛ لما يعلم من الاختلاف في كلامهم في كلّ مقام ، وردّ كلّ متأخر منهم غالبا على من تقدمه وإن كان من أجل الأعلام. بل لا بدّ مع ما قدّمناه من حصول تلك القوة القدسية والملكة الأصليّة التي هي المعيار ، وعليها المدار في الإيراد والإصدار ، وبها يحصل التمييز بين الغث والسمين والعاطل الثمين والغوص على لآلى تلك البحار ، والاقتطاف من جني تلك الثمار ، واستنباط ما يصل إليه عمله ويدركه فهمه من خبايا الأسرار ، فكم ترك الأول للآخر! كما هو في المثل السائر ، وتلك القوة بيده سبحانه يؤتيها من يشاء.
ولرب رجل يكون في الغاية من جودة الفهم وحدة الذهن في سائر تلك العلوم ؛ لكثرة ممارسته لها ، وليس له ربط بكلام الأئمَّة الأطهار ، ولا سليقة في فهم الأخبار. وكم من متبحر في سائر العلوم تفكر في الحديث فأخرجه عما هو المراد به والمرام ، وحمله على معان لا يخفى بعدها على سائر الأنام! وكم رجل له ربط بالأخبار ، جيّد الفهم فيها وإن لم يكن له ذلك الفضل ولا قوة مجادلة ذلك الفاضل! وكثيرا ما يفهم الإنسان حكم المسألة من أدلتها وإن لم يتمكن من إثباته على خصمه ؛ وذلك باهتدائه إلى الحقّ من ربه ، حيث توجه إلى تحصيله بقصد