الحكم منهم عند تساوي الخبرين المختلفين في طرق الترجيح ، فإنه يكون الحكم حينئذ هو التخيير في العمل ، خروجا من الحيرة ودفعا للحرج والضرورة ، كما ينادي به كلام ثقة الإسلام الآتي نقله إن شاء الله تعالى ، فهو حينئذ من قبيل الرخص الواردة عنهم عليهمالسلام في مقام الضرورة ، كالعمل بالتقية ونحوه.
وأمّا مع رد الحكم إلى الإمام عليهالسلام وأمره بالتخيير ، فالظاهر أن الحكم الشرعي حينئذ هو التخيير ، وهو أحد الوجوه التي يجمع بها بين الأخبار إذا ظهر له مستند منها. والأمر هنا كذلك ، ولهذا فإن الحاكم الشرعي يفتي هنا بالتخيير ؛ لأن الحكم الشرعي الذي دل عليه الدليل عنهم : بخلاف ما نحن فيه ، فإنه لا يجوز له الحكم والفتوى به ، وإنّما رخص له في العمل به خاصة.
وثانيهما : حمل الإرجاء على زمن وجود الإمام عليهالسلام ، وإمكان الرد إليه ، وحمل التخيير على زمان الغيبة ، أو عدم إمكان الوصول إليه.
وبهذا الوجه صرّح الثقة الجليل أحمد بن أبي طالب الطبرسي في كتاب (الاحتجاج) ، قال قدسسره في الكتاب المذكور : (وأمّا قوله عليهالسلام للسائل : «أرجه وقف عنده حتى تلقى إمامك» أمره بذلك عند تمكنه من الوصول إلى الإمام ، فأما إذا كان غائبا ولا يمكن الوصول إليه والأصحاب كلهم مجمعون على الخبرين ، ولم يكن هنالك رجحان لرواة أحدهما على الآخر بالكثرة والعدالة ، كان الحكم بها من باب التخيير.
يدل على ما قلناه ما روي عن الحسن بن الجهم عن الرضا عليهالسلام أنه قال : قلت للرضا عليهالسلام تجيئنا الأحاديث عنكم مختلفة. قال : «ما جاءك عنا فقسه على كتاب الله عزوجل ، وأحاديثنا فإن كان يشبهها فهو منا وإن لم يشبهها فليس منا».
قلت : يجيئنا الرجلان وكلاهما ثقة بحديثين مختلفين ، فلا نعلم أيهما الحق.