العمل (١) بكل منهما مما لا سبيل إليه كما تقتضيه قضية التناقض ، بل لا بدّ من وقوع أحدهما فلا معنى لتعلق الإرجاء بالعمل بل متعلقه هو الحكم.
هذا وعندي أن مرجع كلّ من الوجه الأول والثاني عند التأمل والتحقيق بالنظر الدقيق إلى أمر واحد ، وذلك فإن حمل الإرجاء على الفتوى والتخيير على العمل ـ كما هو الوجه الأول ـ لا يكون إلّا مع غيبة الإمام عليهالسلام ، أو عدم إمكان الوصول إليه ؛ إذ الظاهر أنه متى أمكن الوصول إليه واستعلام الحكم منه ، فإنه يتحتم الإرجاء في الفتوى والعمل تحصيلا للحكم بطريق العلم واليقين ، وتنكبا عن طريق الظن في أحكامه سبحانه والتخمين ـ كما هو من آيات (الكتاب) المبين ، وأخبار السنّة المطهرة واضح مستبين ـ وحملا لتلك الأخبار على الرخصة في العمل وحمل الإرجاء على زمن وجوده عليهالسلام ، وإمكان الردّ إليه والتخيير على ما عدا ذلك ـ كما هو الوجه الثاني ـ مراد به : الإرجاء في الفتوى والعمل لما عرفت.
فالتخيير على الوجه المذكور مراد به : التخيير في الفعل خاصة ؛ إذ لا مجال لاعتبار التخيير في الحكم والفتوى به لاستفاضة الآيات والروايات بالمنع من الفتوى بغير علم ، وإن الحكم الشرعي في كلّ مسألة واحد ـ يصيبه من يصيبه ، ويخطئه من يخطئه ـ لا تعدد فيه ، فكيف يصحّ التخيير في الإفتاء بأي الحكمين شاء؟ وحينئذ ، فيرجع إلى التخيير في العمل خاصة ؛ وبذلك يجتمع الوجهان المذكوران على أحسن التئام وانتظام وإن غفلت عنه جملة مشايخنا العظام. ولعل هذا الوجه أقرب الوجوه المذكورة ، إلّا إنه كيف كان.
فتعدد هذه الاحتمالات مما يوجب دخول الحكم في المتشابهات التي يجب
__________________
(١) في «ح» : فالإرجاء بترك العمل ، بدل : فإرجاء العمل.